ملخص المقال
تنسب البوذية إلى أحد المفكرين الذين اشتهروا قديمًا قبل الميلاد، وعلى الرغم من أنه كان ملحدًا ولا يعترف بوجود إله وكانت فلسفته قائمة على التحرر من
تُنسب الديانة البوذية إلى بوذا، وهو لقب وليس اسمًا، أمَّا اسمه فهو: «سدهارتا، أو سدذارتا».
وبوذا هذا هو ابن أحد الحكام في شمال الهند، وقد وُلِد في حديقة لومبيني بالقرب من مدينة كابيلا فاستو في شمال الهند من إقليم نيبال، وتختلف تواريخ ميلاده، ولكن الراجح أنه سنة (568 ق.م)، وتتحدَّث الأساطير عن مولده وما قبله، وأيَّام حمله، فتذكر أنَّه وُلِد نظيفًا، لا كما يُولد الأطفال؛ بل نزل من بطن أمِّه وهي واقفة ممسكة بغصن، ولم تشعر بألم، وكان جسمه نظيفًا كالمرآة، وذكروا له معجزات وكرامات.
أمَّا اسمه فقد سُمِّي سدهارتا، أو سدذارتا -كما مرَّ- ومعناه: «الذي حقَّق أمله»، وأمَّا ألقابه فكثيرة؛ فمنها (شاكياموني) أي: «حكيم قبيلة شاكياس»، و(بسكياموني) أي: «المعتكف»، ومن ألقابه (تاذاجاتا) ومعناها: «الرجل الفائز بالحق»، وأمَّا (بوذا) فمعناه: «المستنير، أو العالم».
ونشأ بوذا في بلده على حدود نيبال، وكان أميرًا؛ فشبَّ مترفًا منعَّمًا، وتعلَّم الفروسيَّة، وبالغ مؤرِّخوه في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في حياته، حتى زعموا أنَّ أربعة آلاف راقصة خُصِّصْنَ لإدخال السرور على قلبه، وأنَّ زوجَه منتقاةٌ من خمسمائة حسناء.
وقد تزوَّج في السادسة عشر من عمره -وقيل: في التاسعة عشر- بـ "ياسواذا" بنت أحد زعماء قبيلة كولي، وعاش معها سعيدًا هانئًا، وأنجبت له ابنه "راهولا".
وبعد عشر سنوات من زواجه صمَّم على أن يبحث عن الحقيقة مهما كلَّفه الأمر، وذلك بعد أن مرَّ عليه صنوف من الآلام، وذلك لِمَا رآه من الأحزان والمصائب.
وعزم على أن يعمل على تخليص الإنسان من آلامه التي منبعها الشهوات، ثم دعا إلى تَبَنِّي وجهة نظره حيث تبعه أناسٌ كثيرون.
وذات ليلةٍ عزم على مغادرة القصر، وهجر زوجته وولده، وهبط إلى الاصطبل، واختار جواده الأبيض وخادمه (شنا).
ويزعمون أنَّ من معجزاته وهو يتهيَّأ لفراق القصر أنَّ أبوابه فُتِحت من تلقاء نفسها، ولم يُسْمَع صوتُ خطوات جواده؛ حتى إذا انتهى إلى نهر أنوما نزل عن جواده ونزع ما كان يتزيَّن به من الجواهر، وجزَّ لِمَّتَه بسيفه، وأعطى خادمه كلَّ ذلك، وأمره أن يعود إلى قصر أبيه، ويُخبره بخبره، ومرَّ به سائلٌ فتبادل معه الملابس.
ثم انتقل بعد سبعة أيَّامٍ من شاطئ أنوما، وغادره إلى مدينة إجاجريها عاصمة الملك بمبيارا ملك مملكة ماجاذا، حيث يُقيم في كهوف "تلال ونديا" نُسَّاك وقفوا حياتهم للتأمُّل والتفكير، ودراسة فلسفات الهند القديمة؛ رجاء أن يُوفَّقوا لحلِّ مشكلة الحياة، ويفكُّوا ألغازها المغلقة، وقَصَد الغار الذي فيه الناسكان ألاراكالاما وأداكا، وكانت شهرة ألارا البرهمي واسعة.
وعندما دخل غار ألارا وجده مستغرقًا في تأمُّله وتفكيره، فوقف في إجلالٍ وصمتٍ بين يديه خاشعًا، وهجست في نفسه خاطرة: أَتُرَى أجد لديه مفتاح السر؟
بعد ذلك جلس إليهما، وأخذ منهما ما لديهما، ودرس عليهما أسفار الفيدا، واليوبانيشاد، واتَّخذ له كهفًا، وكان موضع إعجاب النُّسَّاك جميعًا، وطابت له حياة الزهادة والتقشُّف، وأرسل إليه والده يطلبه، ولكنَّه اعتذر، وقد وصل بوذا إلى درجةٍ عالية، وهي مرشد النسَّاك.
وبعد سنتين أدرك أنَّ البرهمية عاجزةٌ عن حلِّ لغز الوجود، ومشكلة الحياة؛ فانصرف إلى غابةٍ بالبنغال، وقسا على نفسه، وتقلَّب في أشدِّ ضروب التقشُّف والحرمان، وقضى ستَّ سنواتٍ على هذه الحال حتى أشرف على الهلاك، وذاع صيته في الآفاق.
ولكن ذلك التعذيب للجسد والسكون التام لم يصلا به إلى غايته، بل عاقه ذلك الضعف الذي أصابه من جرَّاء التعذيب عن القوَّة والتفكير.
ثم صمَّم بعد ذلك على ترك الحياة التي حَيِيَها ممَّا حمل أتباعه النسَّاك الخمسة أن يُثنوه عن عزمه، فلم يُفلحوا، واعتبروا ذلك منه رِدَّة، واتَّهموه بأنَّه حادَ عن الطريق، وتركوه ومضوا إلى مرج الغزال في مدينة بنارس.
واستعاد سدذارتا -بوذا- نشاطه وقوَّته ومضى إلى شجرة، وجلس تحتها، ورأى رجلًا لديه حشائش؛ فسأله قبضةً منها فأعطاه، وجلس متربِّعًا ضامًّا يديه وقدميه، وعزم ألَّا يُبارح مكانه، وألَّا يُرسل ما ضمَّ حتى يتنزَّل عليه نور الحكمة والمعرفة، وآلى على نفسه أن يبقى ولو نخرت عظامه، وجفَّ جلده، وتلف جسده.
وتقول الأساطير: إنَّ نوازع نفسه أخذت تُصارعه، ولكنَّه انتصر على الإغراء وهزمها في الصراع، وما كاد ينتهي الليل، ويغشى الأرضَ سنا الفجر حتى أشرقت معه في قلبه وعقله الحقيقةُ الساميةُ، والمعرفةُ الصحيحة، وأدرك ما كان يرجو من الماضي والحاضر والمستقبل كل لا يتجزَّأ، وعرف سرَّ الحياة والموت، والعلَّة والمعلول، ورحلة الروح في مختلف الأجسام: متى تصعد إلى النرفانا حيث العدم العام، وفناء النفس وهي السكينة والفناء.
ولكنَّه فناءٌ ليس الفناء المعروف؛ وإنَّما هو وجود يفنى في وجود، مثل فناء ألوان الطيف في الشمس، في البياض الناصع الذي لا لون له، كما يزعم بعض فلاسفة البوذيِّين العصريِّين.
ولا يُوصَل إلى النرفانا إلَّا بعد صفاء النفس والفضائل في عالم الحسِّ والواقع، ومرَّ به النهار ثم الليل، ولم يشعر بهما؛ لأنَّه كان غارقًا في سُبُحَاته، ثم صحا صحوةَ المنتصرِ والفرحُ يملأ قلبه؛ لأنَّه انتهى إلى ما كان يرجو، وتحقَّق له ما كان يأمل، وهبطت عليه الاستنارة فكان بوذا.
واستفاضت شهرته، وقصده الناس، ومضى إلى بنارس، وقصد مرج الغزال إلى النُّسَّاك الخمسة الذين هزءوا به، واتَّهموه، وتركوه فما كادوا يبصرونه حتى هزمتهم هيبتُه وراعهم منظره؛ فَهَبُّوا لاستقباله، وتسابقوا إلى تحيَّته، وجاءوا بماءٍ لغسل قدميه، فألقى عليهم أوَّل درسٍ من دروسه، فإذا الفرح يملأ قلوبهم، ويفيض على وجوههم بشرًا، ثم بعد ذلك دَوَّت شهرته آفاق الهند، واجتذبت شريعته الجديدة شباب الأسر العريقة، والتفَّت به الجموع، وكثر مريدوه.
وأصبح داعيًا لِمَا توصَّل إليه وهو يتلخص في «بلوغ النفس الكمال الأسمى والسعادة القصوى، وانطلاقها من أسر المادَّة، وانعتاقها من ضرورة التناسخ بالنيرفانا، وتعني الخلاص من أسر المعاناة والرغبة، واكتساب صفاء الدين والروح، والتحرُّر من أسر العبوديَّة واللَّذَّة، وانبثاق نور المعرفة عن طريق تعذيب النفس، ومقاومة النزعات، مع بذل الجهد والتأمُّل والتركيز الفكري والروحي، وهو هدف البوذية الأسمى».
إلى أن تُوفِّي في الثمانين من عمره سنة (488 ق.م)، وأُحْرِق جسده بعد موته بثمانية أيَّام. هكذا تقول الأساطير عنه [1].
وقد غالى فيه أتباعه غلوًّا شديدًا حتى جعلوه إلهًا يعبدونه، على الرغم من أن فلسفتهم -أو دينهم كما يدَّعون- قائمة على عدم الاعتراف بإله، وهناك بالفعل متناقضات كثيرة وواضحة في معتقداتهم وأفكارهم غير ذلك.
للمزيد عن عقائد البوذية يمكنك مطالعة مقالَي «البوذية .. بين التاريخ والحاضر» و«البوذية .. عقائد وأفكار».
[1] انظر: الديانات والعقائد 1/116- 117، وذيل الملل والنحل 13/2- 16، والموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي 2/758، وإحسان إلهي ظهير: التصوف .. المنشأ والمصادر، ص53- 55.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
- جاسوس بريطاني أسلم بسبب الحجر الأسود
- شكل سيدنا موسى عليه السلام كما رآه النبي في الإسراء والمعراج
- كيف نعيد أمجاد الأمة من جديد؟!
- صورة فائقة الجودة| جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق
التعليقات
إرسال تعليقك