ملخص المقال
رمضان في مدينة القدس .. روحانيات ممزوجة بعبق التاريخ
فلسطين أون لاين
لا تكاد حارة من حارات مدينة القدس ولا شارع من شوارعها يخلو من الفوانيس والإضاءات والأحبال الملونة , حتى يخال للناظر أنها مدينة الفرح, علاوة على ذلك ما زالت مدينة القدس تحفظ لنفسها طقوساً رمضانية خاصة بها اعتاد عليها المقدسيون منذ مئات السنين, وللتعرف عليها "فلسطين أون لاين" أجرت اتصالاً مطولاً مع د. ناجح بكيرات رئيس قسم المخطوطات في المسجد الأقصى.
يستهل د. بكيرات حديثه بالقول: مدينة القدس من أهم المدن التاريخية في العالم وهي مدينة وقفية والطابع التاريخي والديني الذي تتمتع به القدس انعكس على الحياة اليومية فيها, إذ أصبح كل موسمٍ في القدس له رونق يُميزها عن باقي المدن.
"نحن نفرح ولا نسمح للاحتلال بأن يُنغص علينا فرحتنا" بهذه الكلمات ردّ بكيرات على سؤالي فيما يخص زينة رمضان في مدينة القدس وأضاف: "أهالي القدس يستقبلون الشهر الكريم بالطاعات ويزينون الأزقة لهذا الزائر الكريم, وهذا يأتي في إطار أن رمضان في مدينة القدس يختلف عن أي مكان آخر, فرمضان القدس هو رمضان المودة والعطاء والمحبة والتواصل, هو موسم يُعيد للقدس هبيتها, وهو يُعطي الأمل للمقدسيين أنه وبرغم الاحتلال بالتمسك بإسلامية وعروبة القدس".
مدفع الإفطار
وتأخذ طقوس رمضان في مدينة القدس طابعاً روحانياً إيمانياً , يزيد جماله عبق المدينة وبنيانها التاريخي , عن ذلك يقول بكيرات: "نهار المدينة فيه حركة التجار والمتجولين بين أزقتها , وتحضيرات حلويات رمضان , أما ليلها فيتميز بعدة طقوس تبدأ من مدفع الإفطار".
مدفع الإفطار موجود في جزء من باب الساهرة في مقبرة الشهداء ويعود إلى العهد العثماني، ورغم تعاقب العديد من الأنظمة على المدينة المقدسة، فقد ظل مدفع رمضان رمزًا وإرثًا تاريخيًا وحضاريًا وعادة رمضانية تضاف إلى العادات الرمضانية الأخرى الخاصة بأهل المدينة.
وفي سؤالي عن ماهية هذا المدفع وطريقة عمله يُجيب: "الطلقة الأولى لهذا المدفع تكون عند ثبوت رؤية هلال رمضان حيث تترقب العائلات المقدسية الإعلان عن شهر رمضان عبر سماعها صوت "مدفع الافطار" في أرجاء المدينة إيذانًا ببدء الشهر الفضيل، ثم يستمر استخدام المدفع للإعلان عن الإمساك عن الطعام والإفطار والذي يتكرر يوميًا مرتين, وكذلك في أيام العيد".
ولم يسلم هذا الإرث التاريخي العنصرية الصهيونية ووفقاً لما يقول بكيرات :" الاحتلال لا يريد لنا أن نعيش تراثنا ولا طقوسنا كما نريد , ففي كثير من الأحيان اعترضت إسرائيل على وجود المدفع , لكن عددا من أهالي القدس أبدوا غضبهم واعتراضهم على هذا المنع , حتى تم الاتفاق على تزويد المدفع بقنابل صوتية ليقوم من يشرف على إطلاقها بوضعها في المدفع لإعلام الأهالي بأن موعد الأذان قد جاء".
المسحراتي
ومن العادات الرمضانية التي حافظ عليها أهل القدس أيضاً الاعتماد على "المسحراتي" في تنبيههم لموعد السحور, حيث يقوم أهل الحي بترشيح عشرة من الشبان الذين يتمتعون بنشاط وحيوية ويتداولون الليالي في إيقاظ الأهالي على السحور بشكلٍ تطوعي دون مقابل مادي ويلبسون الزي الفلسطيني التقليدي.
ويردد المسحراتي متجولاً في أزقة الحيّ أدعية وبعض آيات القرآن والأحاديث النبوية, والتوشيحات القديمة "يا نايم وحد الدايم, يا نايمين قوموا على سحوركم أجا رمضان يزوركم" وتأتي كلها في الغالب تحت النمط التقليدي الشعبي, ويستقبل المقدسيون المسحراتي بالحلويات والكعك الساخن والتمور والماء قبيل الأذان، احترامًا وتقديراً له.
"ابكيه لإفطار الفقراء"
ويوجد في مدينة القدس "ابكيه خاسكي سلطان" تعمل منذ 500 عام ويعود اسمها إلى الأصول العثمانية, وظيفتها تقديم الخبز الساخن والشوربة لفقراء المدينة وأهلها بشكل يومي, وأحياناً تقوم الابكيه بتوفير وجبة إفطار كاملة للأهالي, وهى تعمل بإشراف من دائرة الأوقاف الدينية " كما يقول د. بكيرات.
أما الإفطارات الجماعية في باحات المسجد الأقصى فيبيّن أن هناك أكثر من 15 جمعية عالمية ومحلية تتنافس على تقديم وجبات الافطار للمصلين والزائرين, مستطرداً بالقول: "يومياً يتم تقديم ما يقارب 2000 إلى 2500 وجبة, وفي بعض الأحيان في ليالي الجمعة تصل إلى 10 آلاف وجبة, وفي ليلة القدر مثلاً العام الماضي تم توزيع أكثر من 200 ألف وجبة. وهذا يعني أن الأقصى ما زال حياً".
"ليالي رمضان"
وحتى تبقى القدس حيّة بهويتها الإسلامية والعربية, يستغل شباب المدينة شهر رمضان المبارك لإحياء لياليه في المسجد الأقصى , يُحدثنا عن ذلك د. بكيرات :" يتجمع الشبان بعد صلاة التراويح بشكلٍ شبه يومي أمام باب العامود ويحيون ليالي رمضان من خلال برامج توعوية للحضور ,كذلك ترديد المديح النبوي وتنظيم المسابقات".
ويُعد التزاور العائلي من أهم العادات الاجتماعية التي اعتاد أهالي القدس فعلها في شهر رمضان المبارك وهم يُسمونها "طبخة رمضان", إضافة إلى الافطار العائلي الجماعي, وعمل الشراب اليومي عرق السوس والخروب والحلويات كالقطائف بالجبنة والكنافة المقدسية.
ولا تقتصر الزيارات العائلية على الأقارب فحسب, بل تمتد لتشمل الجيران والمعارف من أهل الحي , والمشافي والمراكز الصحية ويُشير إلى أن للمرأة دورا كبيرا في رمضان لزيارة عوائل الشهداء والأسرى في المدينة من قِبل لجان نسائية عن أحياء المدينة.
علاقة وطيدة
وعن علاقة المسلمين بالمقدسيين المسيحيين أوضح د. بكيرات أن هناك علاقة حميمة ووطيدة وربما ستُثير استغراب القارئ "فهم ينتظرون رمضان كما ننتظره نحن, ولا يصنعون ولا يأكلون في نهار رمضان احتراماً لنا , بل وتُعد موائد الإفطار من قبل المسحيين وتتم دعوة المسلمين عليها, فموائد الإفطار في رمضان تكون متبادلة بيننا وبينهم".
وأكد أن هذا كله يأتي في إطار تضافر الجهود بين أهالي المدينة المقدسة لمواجهة تخطيط الاحتلال بجعلها مدينة عسكرية وتهوديها .
وتبقى هذه العادات والطقوس التي يُحافظ عليها المقدسي في ظلّ الاحتلال الصهيوني من أجل إعطاء هوية وذاكرة عن مدينة القدس ليس للمقدسي فحسب بل للشعب الفلسطيني وللأمة العربية والإسلامية , بأن هذه المدينة ما زالت حية في قلوب أبنائها.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- اعرف نبيك .. 7 كتب لا غنى عنها في السيرة النبوية
- قصة الكرماء الثلاثة .. أجود أهل زمانهم!
- صور ربما لم ترها من قبل لأبي الهول و الأهرامات
- حقيقة عيسى العوام وأكذوبة فيلم صلاح الدين
- خريطة العالم الإسلامي وقت ظهور التتار
التعليقات
إرسال تعليقك