ملخص المقال
حاول أبو بكر الصديق رضي الله عنه الهجرة منفردا إلى الحبشة وذلك لأسباب مختلفة فكانت قصة هجرته عجيبة
قصة هجرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه منفردا إلى الحبشة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة عجيبة .. ولنقرأ القصة أولا كما روتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ثم نتحدث عن أسبابها.
تقول عائشة رضي الله عنها: (لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ (مسلمان)، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (..) فَلَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ (وصل) بَرْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ القَارَةِ[1]، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ، فَأَعْبُدَ رَبِّي.
قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، فَإِنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلاَدِكَ.
فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يُكْسِبُ المَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ. فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ، فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ).[2]
وبعد قراءة ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه نرى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حاول أن يهاجر منفردا إلى الحبشة، وسبب ذلك أنه -رضي الله عنه- كان معرضا للإيذاء الذي يمكن أن يصل إلى القتل؛ وذلك لأنه من أقدر المسلمين على دعوة الآخرين، كما أنه الداعم الأول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد المشركون أن يلجئوا إلى حلول حاسمة للقضاء على هذا الدين، وكان من هذه الحلول قتل الدِّعامات الرئيسية له؛ لذلك قالت عائشة رضي الله عنه في حديثها: (فَلَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الحَبَشَةِ).
كما أن قتل أبي بكر رضي الله عنه لن يؤدي إلى أزمة كبيرة في مكة؛ لأن بني تيم قبيلة الصديق رضي الله عنه قبيلة ضعيفة نسبيًّا، ولن تقوى على مواجهة مكة، فكان التلويح أو التصريح بقتل الصديق رضي الله عنه؛ والذي يُؤَكِّد ذلك ما قالته عائشة رضي الله عنه أن ابن الدَّغِنَة عندما أجار الصديق رضي الله عنه طاف على كفار قريش يُعلمهم بجواره، فتقول عائشة رضي الله عنها: "وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ".
فمعنى هذا أنه لم يكن آمنًا على نفسه قبل هذا الجوار.. ومن هنا فخروج أبي بكر للحبشة كان حتميًّا لحمايته من القتل، ولعله من المحتمل أن يكون اختيار أبي بكر للحبشة كي يُهاجر إليها، وعدم اختياره ليثرب كما فعل أبو سلمة رضي الله عنه راجعٌ إلى أن عوامل الأمان في الحبشة أكبر بكثير من يثرب؛ حيث إنه في الحبشة سيكون في حماية ملكها النجاشي؛ خاصة أن العلاقات المتأزِّمة بين مكة والحبشة ستمنع مشركي مكة من محاولة التفاوض لإيذاء أبي بكر رضي الله عنه؛ ولكن الأمر في يثرب ما زال محفوفًا بالمخاطر؛ لسهولة تواصل زعماء مكة المشركين مع مشركي يثرب؛ مما يجعل حياة الصديق رضي الله عنه بها غير آمنة.
للمزيد ..
د.راغب السرجاني: قراءة في هجرة أبي بكر الصديق
[divider]
[1] قطعة عظيمة من اليابسة أو جبل صغير أو أرض ذات حجارة سود
[2] البخاري: كتاب الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده، 2175.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
- شكل سيدنا موسى عليه السلام كما رآه النبي في الإسراء والمعراج
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- قصة وضع الحجر الأسود
- قصة حرب الفجار
التعليقات
إرسال تعليقك