ملخص المقال
بالطبع قد تجد عنوان المقال صادمًا بالنسبة إليك؛ فكلنا نعلم أن العرب على الأقل كانوا أهل مروءة ونخوة وكذلك بعض الأعراق والشعوب الأخرى وإن كثرت جاهليتهم
بالطبع قد تجد عنوان المقال صادمًا بالنسبة إليك؛ فكلنا نعلم أن العرب على الأقل كانوا أهل مروءة ونخوة وكذلك بعض الأعراق والشعوب الأخرى وإن كثرت جاهليتهم وفحشهم على حسن أخلاقهم قبل مجيء الإسلام.
وكذلك وجود أنبياء ونزول كتب سماوية على كثير من الأمم السابقة..
ولكن المتتبع لخلق «الإيثار» في تاريخ الأمم نجده أنه عند بعضهم يعدُّ ضربًا من خيال؛ فبعضهم لا يعقل -وللأسف ما يزال إلى الآن- كيفية تنازله عن حق أو مال أو شيء مهما غلا ثمنه إلى غيره والذي قد يكون لا سابق معرفة له به!!
وهذا ما جعلنا نؤكد أن هذا الأمر لم يسبق وأن جُعِل شريعةً وخلقًا يُثاب عليه المرء أعظم ثوابًا إلَّا في الإسلام، وإن وُجِد بعض الأفراد بالطبع تحلوا به على مر التاريخ.
الإيثار .. من روائع الأخلاق
جميلٌ أن يتصدَّق المسلم على المحتاجين والفقراء، ولكن عجيبٌ حقًّا أن يُفَضِّل المسلمُ غيره على نفسه، فيعطي بينما هو في حاجة!
وهذا هو الإيثار الذي ذكره الله تعالى في كتابه في حقِّ الأنصار رضي الله عنهم؛ وذلك حين قال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: 9].
خلق الإيثار عند رسول الله
والإيثار سُنَّة نبوية راقية؛ فعَنْ سَهْل رضي الله عنه: «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ، فِيهَا حَاشِيَتُهَا». أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا. «فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ». فَحَسَّنَهَا فُلاَنٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا، مَا أَحْسَنَهَا. قَالَ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ. قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ؛ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ[1].
ففي هذا الموقف نفهم أبعاد هذه السُّنَّة النبوية العجيبة؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى البردة، وليس عنده بديل لها، وقد لبسها من فوره لشدَّة احتياجه لها؛ ولكنه عندما وجد سائلًا يطلبها ما تردَّد في التصدُّق عليه بها، فهذا هو الإيثار، وقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تشجيع المسلمين على التحلِّي بهذه السُّنَّة الجميلة..
الإيثار .. خلق أعجب رب العزة جل وعلا
فعَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ. فَقَالَ: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللهُ؟». فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا، يَا رَسُولَ الله. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي. قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِ السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ، فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ. قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ»[2].
الإيثار .. خلق الفقراء قبل الأغنياء
فهذا الخُلُق الراقي يفتح المجال أمام جميع المسلمين ليكونوا من أصحاب الفضل والعطاء، فليس بالضرورة أن تكون ثريًّا فتُعطي من فضل مالك؛ بل يمكن أن تكون محتاجًا وتُعطي، وليس أجر ذلك بالهيِّن؛ بل هو الفَلَاح بعينه، فقد خَتَم اللهُ آية الإيثار بقوله: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: 9]، فلْنَسْعَ إلى هذا الفلاح.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}[النور: 54].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] البخاري: كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ومن طلب حقًّا فليطلبه في عفاف، (1987).
[2] مسلم: كتاب الأشربة، باب إكرام الضيف وفضل إيثاره، (2054).
هذا المقال من كتاب إحياء 354 سنة للأستاذ الدكتور راغب السرجاني.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- اعرف نبيك .. 7 كتب لا غنى عنها في السيرة النبوية
- لماذا بكى موسى عندما رأي النبي في الإسراء والمعراج؟
- معنى كلمة لإيلاف قريش
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
- السماء التي رأى فيها الرسول اثنين من الأنبياء
التعليقات
إرسال تعليقك