في مباراة افتتاح كأس العالم الحالي بدولة قطر، قدَّم المعلق التونسي عصام الشوالي مقدمة تاريخية استعادة فيها تراث العرب والمسلمين، وذكريات المجد التي مرّت على البلاد العربية والإسلامية خلال فترات التاريخ، في هذه المقدمة قال المعلق التونسي جملة ربما لما يفهمها البعض، فقد قال: " اسألوا شارلـمان عن ساعة هارون الرشيد" وقد أثارت هذه الجملة فضول الكثيرين حتى تساءلوا عن هذه الساعة؟ وعن شارلمان نفسه؟

في البداية نذكر أنَّ هارون الرشيد يُعدُّ أشهر الخلفاء العباسيين، وقد تولى حكم الخلافة العباسية من سنة 170هـ= 786م، وحتى سنة 193هـ= 808م، أما شارلمان في ذلك الوقت كان ملك الفرنجة التي هي فرنسا حاليًا.

ووفقًا للروايات المختلفة فقد أرسل الخليفة العباسي هارون الرشيد في حوالي سنة 807م هدية إلى شارلمان ملك الفرنجة، وكانت الهدية عبارة عن ساعة ضخمة بارتفاع حائط الغرفة، قد صُنعت من الجلد والنحاس الأصفر المنقوش، تتحرك هذه الساعة بواسطة قوة مائية، وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد معين من الكرات المعدنية بعضها إثر بعض، وذلك بعدد الساعات فوق قاعدة نحاسية ضخمة، فيُسْمَعُ لها رنين موسيقي، يُسمَع دويُّه في أنحاء القصر، وكانت هذه الكرات تسقط على رأس كل ساعة، أي إذا حانت الساعة الواحدة كانت تسقط كرة، وإذا حانت الساعة الثالثة كانت تسقط  ثلاث كرات، وإذا حانت السابعة كانت تسقط سبع كرات، وهكذا.

والأغرب من ذلك أن الساعة كان بداخلها اثني عشر باب، كان يخرج من كل باب على رأس كل ساعة فارس على هيئة تمثال يدور حول الساعة، ثم يعود إلى حيث خرج، أي إذا حانت الساعة الواحدة كان يخرج  فارس، وإذا حانت الساعة الثانية كان يخرج فارسان وهكذا حتى إذا حانت الساعة الثانية عشرة يخرج من الأبواب اثنا عشر فارسًا مرة واحدة، ويدورون دورة كاملة ثم يعودون فيدخلون من الأبواب فتُغْلَقُ خلفهم.

هذا الوصف لتلك الساعة التي كانت تُعَدُّ وقتئذٍ أعجوبة الفن، أثارت دهشة الملك شارلمان وحاشيته، ولكن رهبان القصر اعتقدوا أنَّ في داخل الساعة شيطانًا يُحَرِّكها، فتربَّصُوا بها ليلاً وانهالوا عليها تحطيمًا، إلاَّ أنهم لم يجدوا بداخلها شيئًا.

 أحضر شارلمان بدوره أمهر العلماء رغبة منه في إصلاح الساعة مرة أخرى، إلا أنهم فشلوا في ذلك، وقد اقترح على شارلمان المقربون منه بمراسلة هارون الرشيد من أجل اصلاح الساعة؛ لكنه رفض خجلًا من هارون الرشيد، نعم رفض شارلمان مخاطبة هارون الرشيد إلا أنَّ هذه الحادثة لم ينسها التاريخ[1].
 


[1] انظر: دكتور راغب السرجاني: ماذا قدم المسلمون للعالم، شركة أقلام للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1434هـ= 2013م، ص617، 618.