ملخص المقال
ابنِ في بيتك مسجدًا .. فكرة صحابي جليل أقرَّها النبيُّ صلى الله عليه وسلم..
ابنِ في بيتك مسجدًا .. فكرة صحابي جليل أقرَّها النبيُّ صلى الله عليه وسلم
بينما كنت أقرأ في كتاب كيف تخشع في صلاتك للدكتور راغب السرجاني توقفت عند مقال مبدع ورائع .. وراقتني للغاية الفكرة التي وردت به ولذا أردت أن أنقلها إلى أكبر عدد من القرّاء كما جاءت في الكتاب لعلها تكون مفيدة لنا جميعا وخاصة أنها فكرة سهلة ومتاحة ..
وقد وضع الدكتور راغب السرجاني الفكرة في الكتاب بعنوان: «في بيتنا مسجد»، وفيما يلي نصُّ المقال:
المقصود هو تجهيز مكان في البيت يكون بمثابة مسجد «داخلي»، يصلي فيه المسلم صلوات النوافل؛ خاصة قيام الليل، وتُصَلِّي فيه المرأة، ويمكن أن نُصَلِّي فيه الفروض في حال عدم التمكُّن من صلاة الجماعة لعذر من الأعذار.. كما إنه يُتَوَقَّع أن يشعر المُصَلِّي بالخشوع لمجرَّد الدخول في هذا المكان؛ لأنه جرَّب الخشوع فيه قبل ذلك، فتهيَّأ العقل لأحاسيس الخشوع حتى قبل أن يبدأ في الصلاة!
ومن الجميل أن تعرف قبل الشروع في تنفيذ الفكرة أنها وردت على ذهن صحابي جليل، وأنَّ الرسول ﷺ أقرَّ الفكرة؛ بل أسهم في تطبيقها! والصحابي هو عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصارِيّ، ولقد روى لنا قصته اللطيفة فقَالَ: «كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا؛ حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا. فَقَالَ: «أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللهُ». فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟». فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ المَكَانِ الَّذِي أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ» [1] .. موقف رائع حقًّا!
رائع جدًّا أن يجتهد الصحابي في تهيئة أفضل ظروف تساعده على صلاة خاشعة! ورائع جدًّا أن رسول الله ﷺ تجاوب معه مع انشغالاته الكثيرة! ورائع جدًّا أنه أخذ أبا بكر رضي الله عنه ليشهد «افتتاح» المسجد الداخلي! ورائع جدًّا أن يُصَلُّوا جماعة في هذا المسجد «البيتي» حتى يأخذ عتبان بن مالك شعور المسجد الجامع في هذا المسجد الصغير!
ألا ما أروعك يا رسول الله!
وإذا كان الأمر كذلك، فلنسعَ إلى تهيئة المكان بصورة تُساعد على استكمال الصورة الذهنية للمسجد، وبذلك تتحقَّق الفائدة بشكل أكبر، وأنا أقترح عدَّة وسائل عملية تُساعد في هذا الأمر؛ منها على سبيل المثال:
- إطلاق اسم المسجد على هذا المكان حتى نُسهم في التهيئة النفسية.
- جعل المكان منعزلًا عن الضوضاء وحركة الناس قدر المستطاع، فلو كان البيت كبيرًا خصَّصنا حجرةً لهذا الأمر، وإن لم يكن كذلك خصَّصنا ركنًا في أحد الحجرات التي لا يدخلها أهل البيت كثيرًا مثل حجرة الضيافة، أو ما شابه.
- للحفاظ على هدوء المكان ينبغي عدم وضع تليفون أرضي فيه، ولا تدخل إليه بتليفونك المحمول، كما يُفَضَّل وجوده في مكانٍ بعيدٍ عن التليفزيون قدر المستطاع.
- الحرص على عدم وجود صور أو تحف أو مشغولات؛ لأنَّ هذا كلَّه قد يشغل المُصَلِّي عن صلاته، فلا يتحقَّق له الخشوع.
- يُفَضَّل أن يُفرش المكان بالسجَّاد بشكلٍ دائم ليأخذ طابع المسجد.
- نحرص على أن يكون السجاد والستائر في المكان بلا زخارف ولا نقوش، ولتكن الألوان هادئة ومريحة للأعصاب كالأبيض أو الأزرق الفاتح جدًّا أو نحو ذلك، ولا تفترض في نفسك القدرة على التركيز في وجود الزخارف الكثيرة! ولو جادلت في هذه النقطة فيكفيك أن تُراجع موقفًا حكاه أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: كَانَ قِرَامٌ [2] لِعَائِشَةَ قَدْ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي»[3]! ولعلَّ هذا يفتح مجالًا لنا الآن لنناقش قضية سجاجيد الصلاة التي اعتدنا أن نُصَلِّيَ عليها في بيوتنا، فإنَّ معظمها –للأسف- مليءٌ بالنقوش والألوان، وهذا من البلاء الذي قبلناه دون تفكير مع أنَّ إصلاحه يسير، ولعلَّنا نُطلق دعوةً في هذا التوقيت لأحد المستثمرين المسلمين الغيورين على صلاة المسلمين أن يُنتج نوعًا من السجاد بلا زخارف يُعين المسلمين على الخشوع في صلاتهم!
- يُفضَّل وضع مصاحف على منضدة بسيطة، أو في مكتبة صغيرة، حتى تُيسِّر على الجالس في المكان أن يقرأ أو يُراجع الحفظ، كما أنها ستُساهم بشكل مباشر في التهيئة النفسية للمُصَلِّي.
- يُفضَّل وضع تفسير صغير مُبَسَّط لكلمات وآيات القرآن حتى يرجع إليه المُصَلِّي لقراءة تفسير بعض الكلمات المبهمة؛ لأنَّ فهم معاني القرآن يُعين بقوَّة على الخشوع، وقد يكسل المُصَلِّي عن البحث عن المعنى إذا لم يجد التفسير متاحًا.
- ينبغي أن تكون التهوية جيِّدة في المكان؛ سواءٌ كانت طبيعيَّة عن طريق نافذة أو شرفة، أم صناعيَّة عن طريق مروحة أو تكييف.
- أيضًا ينبغي أن تكون الإضاءة جيدة، ويُفَضَّل الإضاءة البيضاء غير المباشرة.
هذه بعض النصائح التي يُمكن أن تجعل هذه البقعة في البيت معراجك إلى السماء! وما أروع أن تُصَلِّيَ فيها وأن تتدبَّر في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 87]..
فاللهم اجعل بيوتنا قبلة، وتقبَّل منَّا، إنك أنت العزيز الحكيم..
[1] البخاري: كتاب صفة الصلاة، باب مَنْ لم يَرَ ردَّ السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة، رقم (804).
[2] القرام هو ستر رقيق من الصوف فيه نقوش وألوان.
[3] البخاري: أبواب الصلاة في الثياب، باب إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟ وما ينهى عن ذلك، (367).
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- أمهات عظيمات أنجبن عظماء في التاريخ الإسلامي
- قصة فتح سمرقند العجيبة!
- أعظم مكتبة في التاريخ الإسلامي
- صفات تفرد بها العرب وأقرها الإسلام
- شهادة أرمانوسة بنت المقوقس عن الإسلام والمسلمين
التعليقات
إرسال تعليقك