ملخص المقال
تعرف قصة أقدم يخوت العالم، التي كتب على متنها أجزاء هامة وكبيرة من تاريخ مصر المحروسة عبر العصور..
ساكنًا أمام قصر رأس التين العريق بالإسكندرية، يرسو يخت «المحروسة» من رحلات طويلة شقَّها في بحار التاريخ، يحمل على كاهله ذكريات وسجلًّا حافلًا للحظات الفرح والألم في عقودٍ عديدةٍ من تاريخ البلد التي يحمل لقبها «مصر المحروسة».
تعود قصَّة بناء اليخت «المحروسة» إلى عام 1863م؛ حين أمر الخديوي إسماعيل بإنشائه، وأسندت المهمة لشركة «سامودا» بلندن، وانتهي منه في أبريل عام 1865م، وكان طوله 411 قدمًا، وعرضه 42 قدمًا، وحمولته 3417 طنًّا..
ويسير بالبخار بوقود الفحم بواسطة «طارات» جانبية بسرعة 16 عقدة في الساعة، وله مدخنتان ومسلح بثمانية مدافع من طراز «أرمسترونج»، استلمه الطاقم البحري المصري في أغسطس 1865م، وأبحر به من ميناء لندن في شهر أغسطس 1865م عبر نهر التايمز إلى ميناء الإسكندرية بمصر.
طوال السنوات التي احتضنت فيها مياه مصر يخت «المحروسة»، ظلَّ غير متبرِّمٍ من حمل ملوكها وسادتها، وكان شاهدًا أمينًا على أحداثٍ تاريخيَّةٍ كبرى.
ففي عام 1867م استخدم اليخت في نقل الحملة المرسلة لإخماد الثورة بكريت، كما سافر على متنه الخديوي إسماعيل عام 1868م لحضور المعارض المقامة بباريس، وكان رفيقه -أيضًا- عام 1869م لميناء مرسيليا بفرنسا لدعوة ملوك وأمراء أوروبا لحضور حفل افتتاح قناة السويس.
«المحروسة» كان له السبق كأول عائمة بحرية في العالم تعبر قناة السويس عام 1869م وعلى ظهره الملوك والأمراء، ومنهم الإمبراطورة أوجيني إمبراطورة فرنسا وزوجة نابليون الثالث، وأمير وأميرة هولندا وإمبراطور النمسا فرنسوا جوزيف، وولي عهد ألمانيا الأمير فريدريك، وحينها أهدت الإمبراطورة أوجيني «بيانو» أثري للخديوي إسماعيل، كان قد صنع خصيصا للإمبراطورة في «شتوتغارت» بألمانيا عام 1867م، وعزفت عليه بنفسها على ظهر اليخت، وما زال موجودا حتى الآن بحالته الأصلية نفسها.
وأُدخلت تعديلات عديدة على «المحروسة» غيرت من معالمه أبرزها عام 1872م عندما أرسل إلى لندن لزيادة طوله 40 قدمًا، وبعدها اصطحب الخديوي إسماعيل بعد عزله عن العرش عام 1879م إلى نابولي في إيطاليا.
وفي عام 1894م غُيِّرت الغلايات بورشة «حسبو» بك بالإسكندرية، وفي عام 1905م تعدَّل الشكل الخارجي وتطوَّرت وسائل الدفع بترسانة إنجلترا، حيث نُزِعت «الطارات الجانبية» لتحلَّ محلَّها «الرفاصات»، وزُوِّد بأحدث توربينات بخاريَّة في العالم.
كما زُوِّد بالتلغراف عام 1912م، وفي عام 1919م عاد اليخت إلى إنجلترا لدخول الحوض بميناء «بورت ثموث» لتغيير وقود الفحم إلى مازوت وتمت إطالة اليخت 27 قدمًا من المؤخرة..
وفي الفترة من عام 1949م تطوَّر وتعدَّل اليخت بالترسانة البحريَّة بـ «جنوه» في إيطاليا ليُصبح عام 1952م من أحدث اليخوت.
ومن بين الأحداث التاريخيَّة المهمَّة التي كان المحروسة شاهدًا عليها، حَمْله لشاه إيران السابق محمد رضا بهلوي وهو في طريقه لعقد قرانه على الأميرة فوزية شقيقة الملك الراحل فاروق عام 1939م.
أمَّا أبرز الأحداث التي سجَّلتها ذاكرة المحروسة فكانت لحظة رحيل الملك فاروق عن مصر إلى إيطاليا في 26 يوليو عام 1952م، بعد تنازله عن حكم مصر لابنه الأمير أحمد فؤاد الثاني، مصطحبًا بناته الأميرات معه ليعشن بعيدًا عن أمهن الملكة فريدة، والتي كانت تخشي السفر لروما لرؤية بناتها خوفًا من فقدانها الجنسية المصرية.
وفور عودة اليخت إلى مصر تغيَّر اسمه ليُصبح «الحرية»؛ حيث شارك في عهد الرئيس جمال عبد الناصر عام 1956م في العديد من الرحلات البحريَّة التاريخيَّة..
وسافر على ظهره الرؤساء خروشوف وتيتو، كما شارك في مؤتمرات باندونج وبريوني والدار البيضاء واللاذقية لدول عدم الانحياز..
ومن بين رؤساء مصر كان السادات الأكثر تعلُّقًا بالمحروسة، ومن أشهر الرحلات التي صاحبه فيها رحلته إلى يافا لتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، وقبلها حضر على متنه الافتتاح الثاني لقناة السويس في 5 يونيه 1975م.
كما شارك اليخت في المناورة البحرية عام 1974م وعلى متنه العاهل السعودي الراحل الملك فيصل، وصعد على متنه -أيضًا- الملك خالد والملك حسين والسلطان قابوس، وقد استُخدم اليخت خلال الفترة من 1955م حتى 1973م لتدريب طلبة الكلية البحرية المصرية.
يتكون المحروسة من خمسة طوابق، يضم الطابق السفلي الماكينات والغلايات وخزانات الوقود، بينما يضم الطابق الرئيسي غرف الجلوس، المطابخ، المخازن، الجناح الشتوي، والقاعة الفرعونية بالإضافة إلى جناح الأمراء والأميرات..
أما الطابق العلوي الأول فيحتوي على المقدمة، والمخطاف، والأوناش، وصالة الطعام وصالة التدخين، ويضم الطابق العلوي الثاني سطح المدفعية، والحديقة الشتوية والصيفية، والجناح الصيفي والصالة الزرقاء..
فيما يضم الطابق العلوي الثالث الممشى والعائمات، ويضم اليخت أربعة مصاعد منها المصعد الخاص بالجناح الخصوصي، كما يوجد «جراج» خاص لسيارة الملك..
يُعدُّ «المحروسة» أحد القصور الملكية العائمة، بما يحتويه من نقوش وزخارف ولوحات زيتية لأشهر الرسامين العالميين؛ إذ سُجِّلت فيه كلُّ حضارات مصر عبر العصور المختلفة، سواءٌ الفرعونية أم اليونانية الرومانية أم العربية الإسلامية، كما يحتوي على مشغولات فضية وكريستالات وليموج (خزفيات) وصيني وسجاد يرجع تاريخه إلى القرن الثامن عشر.
قطع اليخت خلال تاريخه البحري مسافة تقارب النصف مليون ميل بحري أثناء رحلاته، سواء في المياه الإقليمية أم البحار والمحيطات المختلفة..
وتوالى على قيادته حتى الآن 40 قائدًا بحريًّا أولهم الأميرالاي فردريك بك، وتلاه عدد من أمراء البحار وآخرهم عقيد بحري أشرف سرور.
ويُعتبر يخت «المحروسة» (سُمِّي بـ«الحرية» بعد ثورة يوليو 1952م واحدًا من أكبر اليخوت في العالم بعد اليخت الخاص بالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي، الذي يبلغ طوله 525 قدمًا.
وعلى الرغم من مرور 144 عامًا على تدشين «المحروسة»، ما زال شبابه متجدِّدًا، وبحسب العديد من الخبراء فإنه يحتفظ بقدرته على الإبحار، بل نال دفقةً من النجوميَّة في هذه الأيام أكثر من سابقيها..
وقد سمحت القوَّات البحرية المصرية بذلك بعد أخذ التصريحات اللازمة، فيستطيع الزائر الآن أن يتجوَّل على متنه ويستمع لشرحٍ كاملٍ لتاريخه، ويزور حجراته وصالوناته ليستعيد عبق تاريخ مصر.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- 8 شخصيات غيرت شكل العالم الحديث لم تسمع عنهم من قبل
- باحث أردني يكشف عن مكان يأجوج ومأجوج
- 6 أسباب منعت كفار قريش من الإسلام
- كم مرة أشار فيها القرآن لأرض الشام؟
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
التعليقات
إرسال تعليقك