ملخص المقال
للنبي صلى الله عليه وسلم في القرآن والسُّنَّة أسماء كثيرة، منها تسميته أحمد، فما معنى هذا الاسم، وهل وُجد هذا الاسم في الكتب السماوية الأخرى؟
للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في القرآن والسُّنَّة أسماء كثيرة، اختصَّه الله بها دون غيره، ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم أحمد، وهذا هو الاسم الثاني التالي في الشهرة لاسم محمد، وهو موجودٌ كذلك في التوراة والإنجيل، وقد أكَّد القرآن على وجوده في الإنجيل، وذلك في بشارة عيسى عليه السلام بالنبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: 6].
أمَّا التوراة فقد ذكرته -أيضًا- بالاسم نفسه، وثبت ذلك في روايةٍ صحيحةٍ ذَكَرَ فيها يهوديٌّ من أهل المدينة الرسولَ صلى الله عليه وسلم باسم «أحمد» عند ميلاده؛ فعَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال: «إِنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ، ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانٍ، أَعْقِلُ كُلَّ مَا رَأَيْتُ وَسَمِعْتُ، إِذَا يَهُودِيٌّ بِيَثْرِبَ يَصْرُخُ ذَاتَ غَدَاةٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالُوا: وَيْلَكَ مَا لَكَ؟، قَالَ: طَلَعَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ»[1].
وأَحْمَد تعني أنَّه أحمد الحامدين لربِّه عز وجل[2]، فهو أكثر الخلق حمدًا لله تعالى. وإذا كان الأنبياء جميعًا، وفي مقدِّمتهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، يحمدون الله حمدًا عظيمًا في حياتهم فإنَّ رسول الله «أحمد» صلى الله عليه وسلم سيكون أعلى منهم حمدًا يوم القيامة؛ لأنَّه سيُلْهَم محامد جديدة يَحمدُ اللهَ بها لا يعرفها أحدٌ من الخلق، وذلك في مقام الشفاعة يوم القيامة!
وَضَحَ هذا الفضل العظيم في رواياتٍ صحيحةٍ جاءت بألفاظٍ مختلفة يضيف بعضها إلى بعض.
في أحد هذه الألفاظ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا..»[3]. فالله عز وجل يُعَلِّم نبيَّه صلى الله عليه وسلم هذه المحامد في هذا الموقف فقط، ولم يكن يعرفها قبل ذلك.
وفي لفظٍ آخر -عن أنس رضي الله عنه أيضًا- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «.. فَأَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآنَ، يُلْهِمُنِيهِ اللهُ..»[4]. فهذا اللفظ يبيِّن أنَّها ليست محامد جديدة فقط إنَّما لا يستطيع الرسول صلى الله عليه وسلم لسببٍ أو لآخر أن يقولها في الدنيا.
أمَّا اللفظ الثالث فجاء عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وفيه يكشف أمرًا جديدًا مهمًّا، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «.. وَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَلا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي..»[5]، فهذا اللفظ يُضيف بعدًا جديدًا وهو تفرُّد هذه المحامد؛ فلم ولن يقوم بها أحدٌ غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لعله من أجل هذا الحمد المتفرِّد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيُعطيه اللهُ عز وجل يوم القيامة لواء الحمد، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وهو يصف موقفًا من مواقف يوم القيامة: «.. وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي..»[6]. وفي الحديث دلالةٌ واضحةٌ على تميُّز الرسول صلى الله عليه وسلم في جانب الحمد، كما أنَّ فيه دلالةٌ على أفضليَّته صلى الله عليه وسلم على كافَّة الأنبياء[7].
[1] ابن إسحاق: السير والمغازي ص84، والحاكم (6056)، وصححه الألباني: صحيح السيرة النبوية ص13، 14.
[2] السهيلي: الروض الأنف، 2/97.
[3] البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى ) لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ( (6975).
[4] مسلم: كتاب الإيمان، باب أدني أهل الجنة منزلة فيها (193).
[5] أحمد (2692)، وقال الأرناءوط: حسن لغيره.
[6] الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة بني إسرائيل (3148).
[7] انظر: د. راغب السرجاني: من هو محمد، دار التقوى للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1442= 2021م، ص67، 69.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- خريطة بأسماء وأماكن مدن الأندلس القديمة
- قصة المـَثَل العربي الشهير .. «سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ»
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
- قصة الكرماء الثلاثة .. أجود أهل زمانهم!
التعليقات
إرسال تعليقك