ملخص المقال

مكتبة بغداد كانت أعظم دور العلم في الأرض قرابة خمسة قرون متتالية أسسها الخليفة العباسي المسلم هارون الرشيد والذي حكم الدولة الإسلامية من سنة 170هـ إلى سنة 193 هـ، ثم ازدهرت المكتبة في عهد المأمون خليفة المسلمين من سنة 198 هجرية إلى سنة 218 هجرية.. وما زال الخلفاء العباسيون بعدهم يضيفون إلى المكتبة الكتب والنفائس حتى صارت بحق دارا للعلم. نحن نتحدث عن دار للعلم حوت ملايين المجلدات، ملايين الكتب في مكتبة واحدة في زمان ليس فيه طباعة.. لا ندري بالتحديد كم عدد الكتب في هذه المكتبة الهائلة.. وإن كانت تقدر بالملايين.. ويكفي أن مكتبة طرابلس بلبنان -والتي لم تكن تقارن أبدا بمكتبة بغداد- قد أحرق الصليبيون الأوربيون فيها ثلاثة ملايين مجلد عندما وقعت في أيديهم، فتخيل كم كان عدد المجلدات في مكتبة بغداد. كانت مكتبة بغداد تشتمل على عدد ضخم من الحجرات، وقد خصصت كل مجموعة من الحجرات لكل مادة من مواد العلم، فهناك حجرات معينة لكتب الفقه، وحجرات أخرى لكتب الطب، وهناك حجرات ثالثة لكتب الكيمياء ورابعة للبحوث السياسية وهكذا.. وكان في المكتبة المئات من الموظفين الذين يقومون على رعايتها، ويواظبون على استمرار تجديدها.. وكان هناك النسّاخون الذين ينسخون من كل كتاب أكثر من نسخة، وكان هناك المترجمون الذين يترجمون الكتب الأجنبية، وكان هناك الباحثون الذين يبحثون لك عن نقطة معينة من نقاط العلم في هذه المكتبة الهائلة. كانت هناك غرف خاصة للمطالعة، وغرف خاصة للمدارسة وحلقات النقاش والندوات العلمية، وغرف خاصة للترفيه والأكل والشرب، بل وكانت هناك غرف للإقامة لطلاب العلم الذين جاءوا من مسافات بعيدة.. لقد حوت هذه المكتبة عصارة الفكر الإنساني في الدنيا بأسرها.. لقد كان المأمون يشترط على ملك الروم في معاهداته معه بعد انتصارات المأمون المشهورة عليه أن يسمح للمترجمين المسلمين بترجمة الكتب التي في مكتبة القسطنطينية.. وكان لخلفاء بني العباس موظفون يجوبون الأرض بحثاً عن الكتب العلمية بأي لغة لتترجم وتوضع في مكتبة بغداد بعد أن يتولاها علماء المسلمين المتخصصون بالنقد والتحليل.. لقد ترجمت في مكتبة بغداد الكتب المكتوبة باللغات اليونانية والسريانية والهندية والسنسكريتية والفارسية واللاتينية وغيرها.. هذه هي مكتبة بغداد! إحراق مكتبة بغداد ماذا فعل التتار مع مكتبة بغداد الهائلة؟ لقد حمل التتار الكتب الثمينة، ملايين الكتب الثمينة، وفي بساطة -لا تخلو من حماقة وغباء- ألقوا بها جميعاً في نهر دجلة! لقد كان هدفهم في الدنيا هو التخريب فقط! ألقى التتار بمجهود القرون الماضية في نهر دجلة.. حتى تحول لون مياه نهر دجلة إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب.. وحتى قيل أن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى!.. هذه جريمة ليست في حق المسلمين فقط.. بل في حق الإنسانية كلها. تدمير حضارة بغداد بعد أن فرغ التتار من تدمير وإحراق مكتبة بغداد انتقلوا إلى الديار الجميلة، وإلى المباني الأنيقة فتناولوا جلها بالتدمير والحرق.. وسرقوا المحتويات الثمينة فيها، أما ما عجزوا عن حمله من المسروقات فقد أحرقوه، وظلوا كذلك حتى تحولت معظم ديار المدينة إلى ركام، وإلى خراب تتصاعد منه ألسنة النار والدخان. واستمر هذا الوضع الأليم أربعين يوماً كاملة، وامتلأت شوارع بغداد بتلال الجثث المتعفنة، واكتست الشوارع باللون الأحمر، وعم السكون البلدة، فلا يسمع أحد إلا أصوات ضحكات التتار الماجنة، أو أصوات بكاء النساء والأطفال بعد أن فقدوا كل شيء. وهنا -وبعد الأربعين يوماً- خاف هولاكو على جيشه من انتشار الأوبئة نتيجة الجثث المتعفنة (مليون جثة لم تدفن بعد)، فأصدر هولاكو أوامره بالتوقف عن القتل!
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- أسباب جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق
- كم مرة ذكرت كلمة العلم في القرآن ؟
- إنفوجرافيك | قصة السلطان محمد الفاتح
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- قصة الأسود العنسي .. كذّاب اليمن
التعليقات
إرسال تعليقك