ملخص المقال
شمس الدين ابن العلقمي هذا العالم الفذ الذي ظلمه تشابه اسمه مع أحد أشهر الخونة في التاريخ الإسلامي، والذي ساعد التتار على دخول بغداد وإسقاط الخلافة
كثيرًا ما نجد أنَّ تشابه الأسماء قد يُحْدِث أضرارًا ويُسبِّب مشكلاتٍ كبيرةً للكثيرين، ولكن في تلك الحالة كان الأمر أفدح من ذلك؛ حيث نجد أنَّ أحد العلماء الأفاضل ومِنْ أهمِّ مُفسِّري عصره قد اقترن اسمه باسم أحد أكبر الخونة في التاريخ الإسلامي، وهو ابن العلقمي الخائن.
فكلاهما يُسمَّى ابن العلقمي ولكن شتَّان الفارق بينهما؛ فالأول هو الخائن مؤيد الدين ابن العلقمي وزير الخليفة العباسي المستعصم [593- 656هـ= 1197- 1258م]، والثاني هو شمس الدين بن العلقمي العالم المصري الأزهري المفسر الشافعي [897- 969هـ= 1491- 1561م].
وعلى الرغم من البعد الزمني بين الرجلين ولكن نجد أن أثر الخيانة لم يقتصر على العالم الإسلامي ولعدة قرون بل كذلك على أحد العلماء الأفذاذ، ولم يكن الضرر الواقع على هذا العالِم الذي ظلمه اسمه لمجرَّد تشابهه باسم الخائن واختلاط الأمر على الكثير من الناس باعتقادهم أنهم شخص واحد، ولكن -أيضًا- أثَّر على انتشار علم ومؤلفات هذا العالم الجليل، وساعد على اختفاء أثره عند عامَّة الناس إن استثنينا بالطبع أهل الاختصاص وذلك لأنَّ الكثير -إن لم يكن الكل- عندما يسمع أو يقرأ اسم "ابن العلقمي" فأوَّل ما يتبادر إلى الأذهان ذلك الخائن الذي جلب لعالمنا الإسلامي خطر التتار وأسقط حاضرة الخلافة الإسلامية بغداد التي جمعت رايات المسلمين في العالم آنذاك لقرون عديدة.
ابن العلقمي الظالم
هو الوزير الشيعي مؤيد الدين ابن العلقمي الأسدي، واسمه كاملًا: محمد بن أحمد بن علي العلقمي الأسدي من بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو طالب مؤيد الدين العلقمي الأسدي.
وهو من خان الخلافة العباسية باتِّفاقه مع هولاكو بمساعدة نصير الدين الطوسي، وقد كرَّس ابن العلقمي حياته للقضاء على الخلافة العباسيَّة، ومحاربة أهل السُّنَّة أينما حلَّوا أو ارتحلوا، وقامت تلك الخطة على محاور ثلاث استطاع ذلك الوزير الخائن من خلالها أن يُسْقِط دعائم الخلافة العباسيَّة لتعيش الأمَّة وللمرَّة الأولى منذ أكثر من خمسة قرونٍ دون خليفة يسيِّر أمور تلك الحضارة العظيمة.
وتلك المحاور الثلاث هي: 1- إضعاف الجيش الإسلامي. 2- مراسلة التتار. 3- النهي عن قتال التتار وتثبيط الخليفة والرعية.
واستطاع بالفعل أن يحقق ما سعى إليه وهو سقوط بغداد في أيدي التتار، وقُتِل الخليفة المستعصم شرَّ قتلة، ولكن مثل أي غادر خائن كان مصيره الخذلان والهوان؛ فقد مات كمدًا وهمًّا وغمًّا ممَّا فعله به التتار من إهانةٍ وإذلال وتحقير من صغار جندهم قبل قادتهم. وللمزيد عن أفعال ومصير ذلك الخائن يُمكن مطالعة مقال "ابن العلقمي والخيانة العظمى".
ابن العلقمي المظلوم
أمَّا ابن العلقمي المظلوم، هو العالم المصري الأزهري شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي القاهري الشافعي، عالم سُنِّي مصري ومدرِّس أزهري، عاش في نهاية الدولة المملوكية وبداية الدولة العثمانية. ولد في القاهرة، في [15 صفر 897هـ= 17 ديسمبر 1491م].
وكان أحد تلاميذ جلال الدين السيوطي، ودرس بالجامع الأزهر وأُجيز بالتدريس والإفتاء، وهو مفسِّر ومحدِّث، وكان من أعيان فقهاء الشافعية بالديار المصريَّة في القرن العاشر الهجري.
وعُرِف بتعميره عدَّة جوامع في بلاد الرِّيف، وقد اشتهر بمكارم الأخلاق؛ فقد كان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويُؤاخذ بذلك الأكابر، وكان له توجُّهٌ عظيمٌ في قضاء حوائج إخوانه، وإذا نزل بأحدهم بلاءٌ لا يتهنَّى بنومٍ ولا عيشٍ حتى يزول عنه ذلك البلاء.
وله مؤلَّفاتٌ وآثار نفيسة، منها: قبس النيرين حاشية على تفسير الجلالين، والكوكب المنير في شرح الجامع الصغير، وملتقى البحرين بين الجمع بين كلام الشيخين.
وقد اختلف العلماء في وفاته؛ فقيل توفي سنة [969هـ= 1561م] أو في سنة [963هـ= 1558م].
وعزائنا لذلك العالم الفذ أنَّ من ترك علمًا وعملًا نافعًا مثله لا يُمكن أبدًا أن يضيع أثره ويندثر مهما كانت العوامل والظروف؛ فيقينًا سيبقى أثره ويستمر، ويكفيه أنَّه مأجورٌ من الله عليه -إن حسنت نيَّته، ونحسبه كذلك- فلا يُظْلَم عنده أحدٌ سبحانه وتعالى، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].
المصادر
[1] نجم الدين الغزي: الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1418هـ = 1997م، 2/41.
[2] الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر - أيار/ مايو 2002م، 6/195.
[3] عمر كحالة: معجم المؤلفين، مكتبة المثنى - بيروت، دار إحياء التراث العربي - بيروت، 10/144.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- قصة المـَثَل العربي الشهير .. «سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ»
- خريطة بأسماء وأماكن مدن الأندلس القديمة
- لماذا أحب العلماء الوقف الإسلامي؟
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
التعليقات
إرسال تعليقك