ملخص المقال
تعرف على إحدى روائع السيرة النبوية .. قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبنيه زيد بن حارثة رضي الله عنه
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس وأرفقهم، وقد شهدت السيرة النبوية مواقف لا حصر لها في معاملته للناس من الصحابة بل لأعدائه بل لكل المخلوقات بالرفق واللين وحسن الخلق..
لكننا عندما نتأمل في سيرته نجد أنه صلى الله عليه وسلم أحبَّ زيد بن حارثة حبًّا كبيرًا وقربه منه مكانة قلَّ من وصل إلى مثلها، وكذلك فإنَّ زيدًا رضي الله عنه أحبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حبًّا تجاوز حبَّه لأبيه وقومه، وكان هذا الحبُّ ملاحَظًا بين الصحابة، لدرجة أنَّهم أطلقوا على زيد بن حارثة "حِبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ولهذا الحب العميق قصَّة؛ فقد أصاب زيدًا سبيٌ في الجاهليَّة؛ وذلك حين خرجت أمُّه به تزور قومها بني معن، فأغارت عليهم خيل بني القين بن جسر، فأخذوا زيدًا، فقدموا به سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمَّتِه خديجة بنت خويلد، فوهبته خديجة للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة.
ثمَّ إنَّ ناسًا من كلب حجُّوا فرأوا زيدًا، فعرفهم وعرفوه، فانطلق الكلبيُّون، فأعلموا أباه، ووصفوا له موضعه، وعند مَنْ هو.
فخرج حارثة وأخوه كعب ابنا شراحيل لفدائه، فقدما مكة، فدخلا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا ابن عبد المطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيِّد قومه، جئناك في ابننا عندك فامْنُن علينا، وأحْسِن إلينا في فدائه.
- فقال: "مَنْ هُوَ؟".
- قالوا: زيد بن حارثة.
- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَهَلَّا غَيْرَ ذَلِكَ".
- قالوا: ما هو؟ قال: "ادْعُوهُ وَخَيِّرُوهُ، فَإِنِ اخْتَارَكُمْ فَهُوَ لَكُمْ، وَإِنِ اخْتَارَنِي فَوَاللَّهِ مَا أَنَا بِالَّذِي أَخْتَارُ عَلَى مَنِ اخْتَارَنِي أَحَدًا".
- قالا: قد زدتنا على النَّصْف وأحسنت.
- فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هَلْ تَعِرْفُ هَؤُلاَءِ؟".
- قال: نعم. هذا أبي وهذا عمي.
- قال: "أَنَا مَنْ قَدْ عَرَفْتَ، وَرَأَيْتَ صُحْبَتِي لَكَ، فَاخْتَرْنِي أَوِ اخْتَرْهُمَا".
- قال: ما أُريدهما، وما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، أنت منِّي مكان الأب والعم. فقالا: ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وأهل بيتك؟!
- قال: نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا.
فلمَّا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحِجْر، فقال: "يَا مَنْ حَضَرَ، اشْهَدُوا أَنَّ زَيْدًا ابْنِي، يَرِثُنِي وَأَرِثُهُ". فلمَّا رأى ذلك أبوه وعمُّه طابت نفوسهما وانصرفا.
ومع أنَّ سند القصَّة السابقة ضعيف، فإنَّ اشتهار القصَّة في كتب السيرة والتاريخ يُعطي انطباع أنَّ لها أصلًا، بالإضافة إلى أنَّه يشهد لها روايتان؛ أمَّا الأولى فعند الطبراني، وفيها قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
"وكان حكيم بن حزام قَدِم من الشام بزيد بن حارثة وصيفًا، فاستوهبته منه عمَّته خديجة، وهي يومئذٍ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبه لها، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقه وتبنَّاه، وذلك قبل أن يُوحَى إليه، وقَدِم عليه أبوه وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنْ شِئْتَ فَأَقِمْ عِنْدِي، وَإِنْ شِئْتَ فَانْطَلِقْ مَعَ أَبِيكَ". قال: بل أقيم عندك. فلم يزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله، فصدقه وأسلم وصلى معه، فلما أنزل اللهُ عز وجل {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] قال: أنا زيد بن حارثة".
وأمَّا الرواية الثانية فهي رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث قال: "ما كنَّا ندعو زيد بن حارثة إلَّا زيدَ بن محمد حتى نزل في القرآن {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ} [الأحزاب: 5]".
التعليقات
إرسال تعليقك