ملخص المقال
إسماعيل باشا المفتش هو شخصية سياسية وطنية محبوبة من المصريين، ولموته قصة غامضة ومؤامرة كبيرة غضب من أجلها المصريون، فما قصة مقتله؟ وما أسبابها؟
من إسماعيل باشا؟
هو إسماعيل باشا صدِّيق، المشهور باسم إسماعيل باشا المفتش ولد عام 1830م، والده هو (دونالي مصطفى أغا باشا) من قادة الجيش، وأمه هي كبيرة وصيفات القصر وصديقة شخصيَّة لخوشيار هانم والدة الخديوِ إسماعيل، وقد كان أخا الخديوِ إسماعيل في الرضاعة؛ فقد أرضعت أمه الخديوِ.
وهو سياسي مصري شهير تولَّى منصب وزير المالية في عصر الخديو إسماعيل، وقد قال عنه المؤرِّخون: «إنَّه من أدهى الساسة الماليِّين في عصرنا»، وقد كان الناس يتحاكون بوطنيَّته، وعندما قُتِل حزنوا ولم يُصدِّقوا وتمنوا لو رجع ثانيةً، وهو يُعدُّ من الشخصيات الوطنيَّة الهامَّة التي لعبت دورًا مؤثِّرًا في تاريخ مصر، وكان له دورٌ بارزٌ في السياسة المصريَّة زمن الخديوِ إسماعيل.
جريمة في القصر الملكي!
تُوفِّي (أو اختفى) إسماعيل صديق باشا المفتش في 18 نوفمبر ١٨٧٦م بعد وصوله إلى دنقلة بثلاثة أيام؛ وذلك حسب ما أكَّدته المصادر الرسميَّة للحكومة، وكان عمره ٤٦ عامًا.
وقد تعدَّدت الروايات حول قصَّة مقتله، ومنها ما ورد لدى بعض المؤرِّخين مثل علي مبارك والرافعي وأحمد حسين، والذين ذكروا أنَّ الخديوِ انزعج من مطالبة الدائنين بمحاكمة المفتِّش، وأدرك من حديثه مع وزيره أنَّه لن يبقى على ولائه؛ في سبيل الدفاع عن نفسه، وأنَّه إذا قَدِم إلى المحاكمة فإنَّه سيُشرك الخديوِ معه في المسئوليَّة، وربَّما ألقى بها كاملةً على عاتقه.
فدبَّر الخديوِ مشروعًا لمحاكمة إسماعيل المفتِّش بتهمة التآمر عليه، وإثارة الخواطر الدينيَّة ضدَّ مشروع «جوشن جوبير»، وقبل أن تبدأ المحاكمة قرَّر التخلُّص منه بلا جلبة.
فاستدعاه إلى قصر عابدين كعلامةٍ على الثقة وهدَّأ من روعه، مُظْهرًا له الرضى، وتلطَّف في محادثته، ثم اصطحبه إلى سراي الجزيرة (فندق ماريوت حاليًّا)، ولم تكد العربة التى تقلُّهما تجتاز باب القصر حتى نزل الخديوِ وبادر إلى إصدار أمره للحرس باعتقال المفتش.
واختفي نبأ المفتش من حينها، إلى أن أمر الخديوِ رجاله فقتلوه، وألقوه في النيل بعدما ربطوا أثقالًا في جسده لكي لا يطفو، فيما استمرَّت إجراءات المحاكمة الصوريَّة.
من القاتل؟!
وكانت المصادر الحكوميَّة تقول: إنَّه تُوفِّي إثر مرضٍ أصابه أثناء سفره، نتيجة إفراطه في الشراب، ممَّا أدَّى إلى ضعفٍ في حركات الأطراف السفلى، فصار يهذي في كلامه، وأُصيب بالسكتة المـُخِّيَّة، وبكشف الأطباء عليه أفادوا بخطورة حالته وعدم جدوى العلاج له، وتُوفِّي بعد ثلاثة أيام.
وذكر البعض: إنَّ المفتش تُوفِّي في دنقلة متأثِّرًا بانفجارٍ في الزائدة الدودية، وأنَّه سمح بدفنه بعد توقيع الكشف الطبي عليه، ولذا لم تُنقل الجثَّة إلى مصر.
وأجمعت الآراء غير الحكوميَّة على أنَّ صدِّيق باشا مات مسمومًا مخنوقًا غريقًا في النيل، كما انقسمت الآراء حول منفِّذ الجريمة؛ فالبعض ذكر أنَّ المنفِّذ هو مصطفي بك فهمي شريك أحمد عرابي في ثورته فيما بعد، وآخرون قالوا: إنَّ "ولسن" الفاعل؛ إذ اعترف بجريمته في هذيانه، عقب إصابته بالحمى.
وأجمعت أكثر الآراء أنَّ منفِّذ الجريمة هو مقدِّم العسكر، «إسحاق بك»، وهو أعرابي كان يعمل في خدمة الأمير حسن ناظر الحربية.
وتحوم الشكوك حول رواية إسحاق بك، وذلك لأنَّها لم ترِد على الألسن، بعد نفي الخديوِ وابنه الأمير حسن، ومن المحتمل أنَّ إسحاق بك كان يأمل من وراء هذه القصَّة في الحصول على مكافأة، وربَّما حصل عليها بالفعل، وتعدَّدت الروايات حول مدفنه وأين ذهبت الجثة.
مقبرة مجهولة وجثمان مفقود وغضب شعبي!
قال البعض: إنَّها دُفِنت في دنقلة، والبعض روى أنَّه أُلقي في النهر في جوَّالٍ مع حديدٍ قديم، فيما ذهب آخرون إلى أنَّه دُفِن في مصر القديمة.
وأظهر أهالي القطر المصري دهشتهم من مقالة نشرتها جريدة «moniteur egyptien»، قالت: «إنَّ صديق باشا كان يتآمر ضدَّ الخديوِ، وأنَّه حكم عليه بالسجن في دنقلة، وانزعجت الأمَّة المصرية من مقتله ورفضت موت المفتش، ونشر نبأ وفاته، إلَّا أنَّ الشعب المصري لم يُصدِّق أنَّ المفتش مات، وتحوَّل إسماعيل المفتش في نظر الشعب المصري إلى أسطورة؛ فهو رمز المقاومة الوطنيَّة ضدَّ التدخل الأجنبي، والطبقات التركيَّة الحاكمة».
وليس أدل على مكانة المفتش وحبِّ الناس وولائهم له، ممَّا رواه إسماعيل صدقي في مذكراته التى قال فيها: «وُلِدْتُ في ١٥ يونيو ١٨٧٥م، وكان إسماعيل صدِّيق باشا في أوج مجده وسلطانه، فسمَّاني والدي باسمه، كما هو عادة الناس حين يُسمُّون أبناءهم بأسماء العظماء والوزراء المشهورين، وهو اسمٌ يجمع بين الخديوِ وناظره، وبعد أن وقعت الواقعة وذهب صدِّيق باشا ولم يُعرف إلى أين ذهب، فخشي والدي أن يكون في اسمي ما يُشعر بولائه للوزير المنكوب، فأسرع بتحويره من إسماعيل صدِّيق إلى إسماعيل صدقي، وكان طبيعيًّا بعد موت المفتش أن يرقص طربًا أنصار مشروع «جوشن وجوبير» بعد أن زالت العقبة المنيعة -إسماعيل باشا المفتش- من الطريق.
المصدر: قصة مصر Egypt Story
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- قصة المـَثَل العربي الشهير .. «سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ»
- خريطة بأسماء وأماكن مدن الأندلس القديمة
- لماذا أحب العلماء الوقف الإسلامي؟
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
التعليقات
إرسال تعليقك