ملخص المقال
حتى شكل أسواقها لم يختلف قط عن تلك الأقبية العتيقة في القاهرة أو دمشق أو تونس، فروائح عطور العرب وبهارات الشرق وألوان الجدران وأشكال الأزقة وأسماؤها هي
أهم مقتطفات المقال
العرب بشكل عام، وخاصة التونسيين لم تكن لهم خلفية الهيمنة على صقلية، بل كانت عقلية بناء وازدهار للجزيرة منذ زمن بعيد
شوارع وأزقة صقلية ناطقة بالعربية
تحمل شوارع "مدينة باليرمو" (عاصمة صقلية الإيطالية -حاليًّا- ذات الحكم الذاتي) أسماء عربية واضحة، ولعلَّ شارع "العطارين" الذي تبدأ به تخوم المدينة العتيقة من أبرز تلك الشوارع العربية، باسمها وطابعها.
وهو عبارة عن ممرٍّ طويلٍ تشكَّل بين منازل لها الطابع نفسه لمنازل قرية "سيدي بوسعيد" التونسية السياحية.
تخرج عن استقامة الجدران شبابيك مقوَّسة بلونها الأزرق القاني، وزركشتها التي تحمل الطابع الأموي في تشكيلها لأنَّها تعود إلى فترة الفتوحات العربية الإسلامية التي انطلقت من تونس.
ويتواصل السير في شارع العطارين بقلب باليرمو الإيطالية، لتصل إلى منتصفه أين تبدأ دكاكين العطارين فعلًا.
حيث تجد الكثير من أنواع البخور والعطارة، والبهارات توجد على طاولات المحلات خارجًا، وكلها مرفوقة بالحشائش العربية المعروفة؛ كالزعتر، والإكليل، والنعناع المجفَّف، وغيرها.
ويُؤكِّد الباعة أنَّ تلك الحشائش يستعملها السكان الصقليُّون (السيشيليون) للتداوي عوض الذهاب إلى الصيدليات؛ "فالتداوي بالأعشاب من أمراض الزكام والسمنة وغيرهما متأصِّلٌ في الجزيرة منذ قدوم العرب إليها" حسب قول أحد الباعة.
باليرمو .. نسخة جينية للموروث التراثي العربي
ويتأكَّد الحضور العربي الإسلامي العميق في ثقافة الجزيرة الإيطالية في الموسيقى التي تُسمع بين الأزقة التي تحمل أسماء عربية؛ إذ بعد الانعطاف يمينًا عند انتهاء سوق العطارين، يوجد شارعٌ آخر اسمه: "زقاق الكسكسي"، وهو زقاق عتيق على شاكلة الأزقة العربية في تونس.
وتعود تسميته بـ"زقاق الكسكسي" لأنه يشتهر ببيع أكلة الكسكسي التونسية التي تعود إلى زمن البربر، وتشتهر تونس بهذه الأكلة منذ آلاف السنين.
والموسيقى التي تُسمع بين هذه الأزقة هي موسيقى تشبه "المالوف" المغاربي، وخاصَّةً المالوف الجزائري والتونسي، وهي موسيقى أندلسيَّة تعود إلى زمن خروج العرب المسلمين من الأندلس والعائدين إلى ديار المسلمين بعد أن دخل المسيحيُّون الفرنجة إلى شبه جزيرة إيبيريا (الأندلس) بُعيد سقوط غرناطة.
ويمكن الاعتقاد لوهلة أنَّ المتجوِّل في هذه الأزقَّة لم يُغادر المجال الحضاري العربي الخالص، أو أنَّه دخل إلى سياق ثقافي أوروبي يختلف عن العربي.
فالأمر في باليرمو أشبه بنسخ جيني لخصائص الموروث الحضاري العربي ووضعه في منطقة أكثر توغُّلًا في الشمال، في قلب البحر الأبيض المتوسط.
ويقول أستاذ اللغة والحضارة العربية في جامعة باليرمو "فرانشيسكو ليجو": إنَّ الحضارات التي تركت بصمات في جزيرة صقلية الاستراتيجية هي أساسًا؛ اليونان، والرومان، والمسلمون، والنرمان. «ولكنَّ المسلمين هم أصحاب البصمة الأوضح في التراث الصقلي، ولهم آثارٌ لا تُحصى في جميع أركان الجزيرة».
والذي يُثير الانتباه أكثر في معالم وآثار مدينة باليرمو عاصمة مقاطعة صقلية الإيطالية، هي الآيات القرآنية التي كُتبت على كاتدرائية المدينة بأحرفٍ مرسومةٍ بالخط المغربي.
إذ لم تكن هذه الكاتدرائية سوى مسجدٍ بُني على طريقة المهندسين العرب القدامى الذين فتحوا المدينة، وتُعتبر الكاتدرائية من بين أهمِّ المعالم السياحية العالمية التي تشهد زيارة الآلاف، نظرًا إلى كونها منارة للتعدُّد الثقافي والديني، ومنبرًا للتسامح والتصالح بين ضفتي الشمال والجنوب؛ العرب والأوربيِّين، المسلمين والمسيحيِّين.
وللكاتدرائية شكلٌ يُشبه المسجد تمامًا؛ قبَّةٌ مدوَّرة في الوسط، وصومعةٌ طويلةٌ كانت تُمثِّل المئذنة التي يُنادي من خلالها المؤذِّن المسلمين للصلاة.
وقد تميَّزت القبَّة بشكلها الذي يُشبه قباب زوايا الأولياء الصالحين في المدن التونسية أو الجزائرية أو الليبية.
أمَّا الصومعة، ولئن تخلَّلها جرسٌ الآن يُضْرَب في أوقات الصلاة المسيحية، إلَّا أنَّه لا يزال يحتفظ بطابعه الإسلامي الواضح في الشكل والطول خدمةً لوظيفة الأذان.
اللغة الصقلية .. إحدى اللهجات العربية القديمة!
ولعلَّ اللغة من بين أهمِّ المؤشرات الثقافية والاجتماعية التي تُميِّز شعبًا عن آخر أو حضارةً عن أخرى، لكنَّ في صقلية -وخاصة في باليرمو- فإنَّ اللغة المعتمدة في التخاطب والتواصل بين الناس لم تُعرف بعد: هل هي العربية أم اللاتينية أم الإيطالية؟!
ففي الحقيقة، يُمكن سماع عديد الكلمات العربية في اللهجة الصقلية، مثل كلمة "زقاق" التي تعني الشارع الصغير، وكلمة "مسكينو" التي تعني المسكين في العربية.
ويُؤكِّد "فرانشيسكو ليجو" الباحث في الحضارة واللغة العربية، أنَّ اللغة الصقلية هي الآن اللغة الرسمية لدولة مالطا المجاورة، التي تُعرف «بقربها الشديد من اللغة العربية الفصحى».
ويؤكد فرانشيسكو ليجو أنَّ العرب بشكلٍ عام -وخاصَّةً التونسيين- لم تكن لهم خلفيَّة "الهيمنة على صقلية؛ بل كانت عقليَّة بناءٍ وازدهارٍ للجزيرة منذ زمنٍ بعيد".
فقد أسَّس العرب الفاتحون القادمون من القيروان التونسية مدينة باليرمو، وشيَّدوا فيها المساجد والأسواق والأقبية، بالقدر نفسه الذي شيَّدوا فيه الكنائس والكاتدرائيات، «لقد كان الفاتحون أذكياء ومحنكين ومحاربين أقوياء و-أيضًا- منفتحين ومتسامحين مع الأديان».
وفي ما يخصُّ فنون الطبخ «فتقريبًا كلُّ ما يُطبخ في البيوت الصقلية وخاصَّةً في باليرمو هو ذاته الذي يأكله عرب شمال إفريقيا بنسبة البهارات نفسها، والمذاقات ذاتها، والألوان التي يُحبُّها سكان تلك المنطقة».
هكذا وصف الباحث ليجو التشابه بين المطبخ الصقلي ونظيره العربي المغاربي، وهو تأكيدٌ آخر على أنَّ جذور العرب المسلمين ضاربةٌ في المنطقة منذ أكثر من 1200 سنة.
المصدر: موقع العرب
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- قصة المـَثَل العربي الشهير .. «سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ»
- خريطة بأسماء وأماكن مدن الأندلس القديمة
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
- قصة الكرماء الثلاثة .. أجود أهل زمانهم!
التعليقات
إرسال تعليقك