ملخص المقال
تعرف على وصية الإمام مالك لأقرب تلامذته .. وهي تعتبر نموذجًا لفهم العالم الرباني الذي يجب أن نحذو حذوه جميعًا عالمون ومتعلمون..
العالم الرباني هو الذي يُنْزِلُ كلَّ أحدٍ من طلابه منزلًا في العلم أو العمل يليق بحاله، ويوافق استعداده النفسي والعقلي؛ حتى يحصل النفع به للمسلمين على أكمل الوجوه وأحسنها، وحتى لا يُباشر أمورًا لا قِبَل له بها، فيضرَّ نفسه وغيره.
وصية الإمام مالك لتلامذته
قال الحارث بن أسد: "لما أردنا وداعَ مالك، دخلتُ عليه أنا وابن القاسم، وابن وهب، فقال له ابن وهب: أَوصِني، فقال له: اتَّقِ الله، وانظر عمَّن تنقل.
وقال لابن القاسم: اتَّقِ الله، وانشر ما سمعتَ.
وقال لي: اتَّقِ اللهَ، وعليك بتلاوة القرآن، قال الحارث: لم يرني أهلًا للعلم"[1].
العالم الرباني .. الإمام مالك نموذجًا
فالإمام مالك رحمه الله هنا يُحقِّق مناط أفضل الأعمال في طلَّابه، ويُوصي كلَّ واحدٍ منهم بلزوم ما يتوافق مع استعداده؛ حتى ينفع الله به المسلمين على أكمل وجه، وحتى لا يشتغل أحدهم بشيءٍ لا يُحسنه، فيضرَّ نفسه، وغيره، من حيث طلب النفع به.
فقد رأى في ابن وهب: كمال الحفظ والاعتناء برواية الآثار، فأوصاه بتحقيق الرواية، والتثبُّت في المرويَّات، فكان إمامًا ثبتًا في رواية الآثار.
ورأى في ابن القاسم: الفقه وقوَّة الاستنباط، فأوصاه بأن ينشر فقه مالك، وما سمعه عنه في الفتوى، فكان أتقن سماعٍ للمدوِّنة سماعات ابن القاسم.
أمَّا ابن الحارث: فقد رأى أنَّه لم تتحقَّق فيه شروط العلم، لا رواية ولا دراية، فأوصاه بأفضل العبادات التي يقتصر أثرها على صاحبها، وهي تلاوة القرآن، وما أجلها من عبادة يصلح بها الباطن والظاهر، ومن كان هذا شأنه، واشتغل بهذه العبادة فقد أتى أفضل الأعمال التي فيها صلاحه ونجاته.
وقد كان ابن الحارث رحمه الله نِعْمَ التلميذ؛ فقد أخذ بوصية شيخه وأستاذه، حتى أنه روي عنه أنه كان يُستفتى فلا يفتي، ويقول: لم يرني مالكٌ أهلًا للعلم.
وهؤلاء الثلاثة من طالع سيرهم، وخَبِر أحوالهم فيما نقل عنهم، ونظر فيما امتازوا به؛ عَلِمَ أنَّهم قد لزموا غرز إمامهم، فنفع الله بهم على أكمل الوجوه، وانتفعوا بما أوصاهم به على أحسن مهيع.
ومن لزم الاشتغال بأفضل الأعمال الموافقة لاستعداده، وأخلص النية فيه، وأتى به على أكمل الوجوه؛ فإنَّه يُرجى أن يكون من جملة عباد الله المحسنين، وممَّن تحقَّق في حقِّهم مناط أفضل الأعمال، وكان عمله ذاك جاريًا على سنن قول الله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7].
فما أحوجنا معشر السالكين أن نسلك هذا الفقه الربَّاني مع أنفسنا وطلابنا، وهو فقهٌ عزيزٌ عائدٌ إلى قوةٍ في الفهم عن الشريعة، وبُعْدٍ في النظر، وكمالٍ في البصيرة، ومعرفةٍ تامَّةٍ بحال الشخص واستعداداته النفسية والعقلية.
[1] القاضي عياض: ترتيب المدارك، تحقيق: عبد القادر الصحراوي، مطبعة فضالة - المحمدية، المغرب، ط1، ٣/٣٢٢.
المصدر: موقع مداد (بتصرف يسير).
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- قصة المـَثَل العربي الشهير .. «سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ»
- خريطة بأسماء وأماكن مدن الأندلس القديمة
- لماذا أحب العلماء الوقف الإسلامي؟
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
التعليقات
إرسال تعليقك