ملخص المقال

لم يكن انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم مهاجرًا من مكة إلى المدينة مع خيار صحابته، عملاً سهلاً يقدم به على راحة مطمئنة في أرض لم يرها من قبل؛ ولكنه- مع تأييد الأنصار وإيثارهم المهاجرين على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة- قد عانى شتى ضروب المكايد من ناحيتين؛ ناحية اليهود الذين أفزعهم أن يأتي نبي الإسلام عربيًا وكانوا من قبل يستفتحون به على الذين كفروا، وناحية المنافقين الذي أدركهم الجبن الضعيف، فآمنوا بألسنتهم دون أن يكشفوا ما تحمل صدورهم من صديد.
وهؤلاء وأولئك قد وحد بينهم بغض المسلمين، وجمعهم على التآمر والتربص؛ فأخذوا يعقدون مجالس المناجاة ليدبروا ما يروق لهم من أسباب الوقيعة، وقد بدت البغضاء من ألسنتهم وعلى سحنات وجوههم وما تخفى صدورهم أكبر.
وكانوا فيما روى ابن عباس رضى الله عنه يتغامزون عند مرور المسلمين بهم ويحركون رءوسهم متفرسين كمن يخفون أمورًا دقيقة يعرفونها ويجهلها المسلمون.
وطبيعي أن يغضب الصادقون من المهاجرين والأنصار لما يرون من مشاهد الاستفزاز ودلائل التربص، ففزعوا إلى رسول الله، فجابه الموقف بحسم ونهى المتآمرين عن النجوى، وقد حلفوا جهد أيمانهم أنهم لا يبيتون شرًّا وأنهم يشهد إن المنافقين مسلمون وقد اتخذوا أيمانهم جنة حين صدوا عن سبيل الله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون.
ثم انزجروا عن التناجي المتربص ردحًا من الوقت وغلى الشر في نفوسهم، فلم يستطيعوا التوبة وعاودوا الاستفزاز فنزل قول الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (المجادلة: 8).
يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم وها هي هذي الآية الكريمة قد فضحت ما يصنعون، إذ سجلت عليهم أنهم عادوا لما نهوا عنه وقد تواطأوا مع اليهود على الشر، فهم ما يزالون يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، لأن الداء النفسي قد تغلغل في الأعماق فلا يعصف به نهي زاجر أو وعد مترقب.
إنما الذي يستجيب سريعًا من نزا به طائف الشر في غفلة من ضميره ثم عاجله الإيمان باليقظة السريعة، نعرف أنه كان على شفا هوة سحيقة أوشك أن يسقط فيها لولا أن تداركته رحمة الله فاستيقظ.
هذا هو المستجيب البريء من الغرض النازح عن الكيد، أما الذي جال الحقد في أعماقه حتى تمكن واستكن فلن يُثنيه أمر دافع أو نهي زاجر، لأن أهواءه قد قيدته بأغلظ وثاق فلا يقدر على الفكاك مهما حاول الخلاص وليس محاولًا إياه!
والحاسد الحاقد تعرفه في لحن القول، وها هم أولاء إذا حضروا مجلس الرسول حيوه بما لم يحيه الله بأن قالوا ما يتضمن معنى الموت والفناء! والظاهر أنهم يلقون السلام، فإذا جلس بعضهم إلى بعض في مشهد النجوى الآثمة قالوا متهكمين: لقد حييناه بما ندعو به عليه فلم لا يعذبنا الله إن كان رسولا من عنده! قالوا ذلك سرًّا، ولكنَّه انتهى إلى الرسول بوحيٍ منه! فصارت نجواهم الخافية علانية بلقاء.
المصدر: موقع الجمعية الشرعية.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- قصة المـَثَل العربي الشهير .. «سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ»
- خريطة بأسماء وأماكن مدن الأندلس القديمة
- لماذا أحب العلماء الوقف الإسلامي؟
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
التعليقات
إرسال تعليقك