ملخص المقال
للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في القرآن والسُّنَّة أسماء كثيرة، ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم نبي الملاحم.
للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في القرآن والسُّنَّة أسماء كثيرة، اختصَّه الله بها دون غيره، وأسماءه صلى الله عليه وسلم الله تعالى هو الذي أوحى إليه بها، أو ذكرها سبحانه وتعالى في الكتب السماويَّة. ومن أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم نبيُّ الملاحم: وهو الاسم التالي في الشهرة لأسماء محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والخاتم والمقفي ونبي التوبة ونبي الرحمة.
جاء هذا الاسم في روايةٍ صحيحةٍ عن حُذَيْفَةَ بنِ اليمان رضي الله عنه قال: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: إِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمُقَفِّي، وَنَبِيُّ الْمَلَاحِمِ»[1].
والملاحم هي المعارك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مجاهدًا عظيمًا، وكان يُقَاتِل مَنْ قاتله من المشركين وأهل الكتاب، وكان ذا بأسٍ شديدٍ في قتاله، حتى قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى مِنَ القَوْمِ مِنْهُ»[2]، واشترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمانٍ وعشرين غزوةً عسكريَّة، وهذا في خلال السنوات العشر التي قضاها في المدينة؛ أي بمعدل ثلاث معارك كلَّ سنة تقريبًا، وهذا معدَّلٌ كبير، هذا غير السرايا التي كان يبثُّها ولا يخرج فيها، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ، وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»[3].
وقد يُسْتَشْكَل على بعضهم كون الرسول صلى الله عليه وسلم نبيَّ الرحمة، ونبيَّ الملاحم، في الوقت ذاته، أو أن يكون مبعوثًا بالرحمة، ومبعوثًا بالسيف، في آنٍ واحد! وقد ناقش البغوي هذه المسألة في شرح السُّنَّة فقال: «.. فَكيف يكون مَبْعُوثًا بِالرَّحْمَةِ، وَقد بعث بِالسَّيْفِ؟ قيل: هُوَ مَبْعُوث بِالرَّحْمَةِ كَمَا ذكر، وكما أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَذَلِكَ أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وأيَّدهم بالمعجزات، فَمن أنكر من تِلْكَ الْأُمَم الْحق بعد الْحجَّة والمعجزة عذِّبُوا بِالْهَلَاكِ والاستئصال، وَلَكِنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمر نبيَّه عَلَيْهِ السَّلَام بِالْجِهَادِ مَعَهم بِالسَّيْفِ، ليرتدعوا عَن الْكفْر، وَلم يُجتاحوا بِالسَّيْفِ؛ فَإِنَّ للسيف بَقِيَّة، وَلَيْسَ مَعَ الْعَذَاب الْمنزل بَقِيَّة..»[4]. هذا الكلام يعني أنَّ جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيف كان في الواقع رحمةً بالأقوام المكذِّبة؛ إذ يُقْتَلُ بعضها، وهو قليل، وينجو معظمها، أمَّا البديل الذي دَرَجَت عليه الأمم السابقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الإهلاك «التامُّ» لهم، وذلك معروفٌ في سير الأمم السالفة. قال تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ﴾ [ق: 36][5].
[1] أحمد (23492)، وقال الأرناءوط: صحيح لغيره.
[2] أحمد (1346)، وقال الأرناءوط: إسناده صحيح. وأبو يعلى (302)، والحاكم (2633) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
[3] أحمد (5114)، وقال أحمد شاكر في طبعة دار الحديث لمسند أحمد: إسناده صحيح.
[4] البغوي: شرح السنة للبغوي، 13/ 213، 214.
[5] انظر: د. راغب السرجاني: من هو محمد، دار التقوى للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1442= 2021م، ص76، 77.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- قصة المـَثَل العربي الشهير .. «سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ»
- خريطة بأسماء وأماكن مدن الأندلس القديمة
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
- قصة الكرماء الثلاثة .. أجود أهل زمانهم!
التعليقات
إرسال تعليقك