«هذا ليس قبرًا... هذا أغنيةٌ من المرمر».. هكذا عبَّر «نهرو» أحد زعماء الهند عن قبر تاج محل.. ولقد صدق في قوله إنَّه ليس مجرد ضريح.. إنَّه رمز.. رمزٌ للحبِّ والوفاء.
 

قصة قبر تاج محل

 تاج محل هو قبرٌ رائع الصنع أنيق العمارة، يُعتبر من معجزات الدنيا السبع الخالدة، كما يُعدُّ من أجمل المباني الإسلاميَّة في الهند من حيث الروعة والزخرفة والتصميم الهندسي، وهو مبنى عملاق يُشرف على مدينة أكرا بالهند، التي كانت عاصمة المغول في ذلك الحين قبل أن تُنقَل العاصمة من أكرا إلى مدينة دلهي التي هي عاصمة الهند إلى يومنا هذا[1]، وهو آيةٌ بلغت حدَّ الكمال، ويُعدُّ أجمل قبور الدنيا جميعًا[2]، وقد شيَّد هذا البناء الضخم الإمبراطور «شاه جهان (1628- 1658م)» تكريمًا لزوجته «أرجمند بانو» التي اشتهرت بلقب "ممتاز محل"[3].
 

قصة زواج شاه جهان من ممتاز محل

تقول الحكاية إنَّ إمبراطور الهند في القرن السادس عشر محمد شهاب الدين الملقَّب «شاه جهان» قد شدَّت انتباهه فتاةٌ تُدْعَى «أرجمند بانو» ابنة أحد وجهاء الفرس الذين هاجروا من بلاد فارس إلى الهند، غير أنَّ هذه الفتاة  كانت متزوِّجة، الأمر الذي جعل «شاه جهان» يشعر بالأسى والخيبة، ولكن سرعان ما تُوفِّي زوجها فاستدعاها «شاه جهان» إلى قصره وتزوَّجها بعد انتهاء عدَّتها عام 1612م، وأعطاها لقب «ممتاز محل»[4]؛ أي زينة القصر[5].
 تزوَّج «شاه جهان» من «ممتاز محل» وهو في سنِّ الحادية والعشرين وأحبَّها حبًّا شديدًا، ولشدَّة حبِّه لها كانت لا تُفارقه في سفره وحروبه حتى أصبحت بمثابة يده اليمنى، وقد أنجبت له أربعة عشر طفلًا في ثمانية عشر عامًا، وفي عام 1630م خرج «شاه جهان» على رأس حملةٍ إلى أواسط الهند للقضاء على الفئات المنشقَّة عليه وكانت زوجته تُرافقه كعادتها، وفي طريق عودته إلى أكرا مرضت زوجته فأحضر لها أمهر الأطباء ولكنَّها تُوفِّيت أثناء ولادة الطفل الرابع عشر فأقام لها زوجها هذا القبر تخليدًا لذكراها[6].
 

قصة بناء قبر تاج محل

بعد موت «ممتاز محل» حزن عليها «شاه جهان» حزنًا شديدًا حتى حبس نفسه ثمانية أيَّامٍ في قصره، وبقي عامين يعيش الحداد عليها، وحين أُحضر رفات «ممتاز محل» من حيث فارقت الحياة إلى أكرا وُضِع في حجرة دفنٍ مؤقَّتة تحت الأرض، وبدأت فكرة بناء تاج محل تتسلَّل إلى ذهن «شاه جهان»، فقرَّر أن يُقيم لها أجمل قبرٍ يُمكن أن يُشاهده الإنسان، فاستدعى المهندسين المعماريِّين من كافَّة أنحاء العالم من الهند وتركيا وفارس والجزيرة العربيَّة ليتعاونوا في وضع تصميمٍ لهذا البناء[7]، وقد أشرف على تصميمه ثلاثةٌ من رجال الفنون: "الفارسي أستاذ عيسى، والإيطالي جيرونيمو فيرونيو، والفرنسي أوستن دي بوردو"، وبعد اثنين وعشرين عامًا من العمل أصبح البناء جاهزًا، وقد اشترك في تنفيذه اثنان وعشرون ألف عامل[8]، وقد جلبوا له الحجارة الجميلة والرخام الأبيض المصقول من الهند ومصر والجزيرة العربيَّة، ويُقال: إنَّه كلَّف خزانة «شاه جهان» أربعين مليون روبيَّة[9]، وقد اختير له مكانٌ رائعٌ على ضفاف نهر جُمنة على بعد نحو ثلاثة كيلو مترات من مدينة أكرا، ولمـَّا انتهى العمل فيه أعجب «شاه جهان» به كلَّ الإعجاب، ودعاه «تاج محل» ونقل إليه رفات زوجته، وظلَّ يزوره حتى أغمض الموت عينيه[10].
 

قبر تاج محل.. من عجائب الدنيا السبع

يُعتبر تاج محل صرحًا حضاريًّا رائعًا؛ فقد جاء بناؤه غايةً في الإتقان، وجاءت زخارفه -أيضًا- آيةً في الروعة والجمال، كما أنَّ الألوان التي استُعْمِلَت كانت بديعة التناسق رفيعة الذوق، وقد بُنِي هذا الصرح من الحجر الأحمر والرخام والمرمر الأبيض وعلى يسار ويمين المدخل كُتبتْ آياتٌ من سورة الفجر {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}[الفجر: 27، 30].  وقد كُتبتْ -أيضًا- سورة يس على البوَّابة الرئيسة، وأمام مدخل البناء تقوم بحيرةٌ صناعيَّةٌ يُحيط بها ممرَّان عريضان، وعلى سطح تلك البحيرة تنعكس صورة الصرح ببهائه وجماله حتى قال المهندسون: "إنَّ نقاء الخطوط في العمارة من نقاء الأمواج"[11].
وقد ترصعت وتزيَّنت جدران الصرح بالأحجار الكريمة والعقيق وزهور عباد الشمس وأحجار الفيروز في تنسيقٍ رائعٍ يُبهر الأبصار ويسلب العقول، ويُحيط بالصرح حديقةٌ كبيرةٌ تُعتبر قمَّةً في التخطيط والتنسييق الرائع، تضمُّ النافورات الجميلة والأشجار العالية المشَكَّلَة بطريقةٍ هندسيَّةٍ  جميلة[12]، وبداخلها برج الياسمينة الذي كان ينظر منه الإمبراطور «شاه جهان» على قبر زوجته الحبيبة «ممتاز محل»[13].
وقد اقترح «شاه جهان» إقامة التاج من الرخام الأبيض حتى ينعكس الضوء عليه عند الفجر والصباح والضحى والظهيرة والمساء، ويتغيَّر تاج محل بتغيُّر فصول السنة وأوقات اليوم؛ فالزهور بعد الفجر تظهر بلونٍ وردي، وخلال فترة الظهيرة تظهر بلونٍ أبيضٍ ناصع، ثم تتحوَّل إلى اللون الرمادي قبل الغروب[14].
فحقًّا كما وصفه نهرو: «هذا ليس قبرًا.. هذا أغنيةٌ من المرمر». فياله من صرح! ويا له من إبداع بشري عظيم! ويا لها من حضارة قوية شامخة!
 
 

[1] جلال عبده خدشي: عجائب الدنيا السبع (القديمة - الحديثة - المستقبلية - المرشحة)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص90- 92، وعبد الوهاب العمراني: مشاهدات وانطباعات من الشرق والغرب، دار الخليج، الأردن، 2017م، ص137.
[2] وِل ديورَانت: قصة الحضارة، تقديم: الدكتور محيي الدِّين صابر، ترجمة: الدكتور زكي نجيب محمود وآخرين، دار الجيل، بيروت، لبنان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، 1408هـ= 1988م، 3/147.
[3] جلال عبده خدشي: عجائب الدنيا السبع (القديمة - الحديثة - المستقبلية - المرشحة)، ص90- 92.
[4] عبد الوهاب العمراني: مشاهدات وانطباعات من الشرق والغرب، ص135.
[5] وِل ديورَانت: قصة الحضارة، 3/ 147.
[6] وِل ديورَانت: قصة الحضارة، 3/ 147، وحازم محفوظ: إزدهار الإسلام في شبه القارة الهندية، الدار الثقافية للنشر، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1425هـ= 2004، ص66، وعبد الوهاب العمراني: مشاهدات وانطباعات من الشرق والغرب، ص136.
[7] جلال عبده خدشي: عجائب الدنيا السبع (القديمة - الحديثة - المستقبلية - المرشحة)، ص92، وعبد الوهاب العمراني: مشاهدات وانطباعات من الشرق والغرب، ص136.
[8] وِل ديورَانت: قصة الحضارة، 3/ 394.
[9] جلال عبده خدشي: عجائب الدنيا السبع (القديمة - الحديثة - المستقبلية - المرشحة)، ص91، 92.
[10] عبد الوهاب العمراني: مشاهدات وانطباعات من الشرق والغرب، ص136.
[11] عبد الوهاب العمراني: مشاهدات وانطباعات من الشرق والغرب، ص136، 137.
[12] جلال عبده خدشي: عجائب الدنيا السبع (القديمة - الحديثة - المستقبلية - المرشحة)، ص91- 93.
[13] وِل ديورَانت: قصة الحضارة، 3/ 394.
[14] عبد الوهاب العمراني: مشاهدات وانطباعات من الشرق والغرب، ص137.