ملخص المقال
تعرف على أول معركة في التاريخ بين سفينتين بخاريتين .. المصرية «براوز بحري» والروسية «فلادمير»
أول أسطول بحري مصري من السفن البخارية
عندما عَلِم محمد علي باشا حاكم مصر أنَّ أوروبا أدخلت الآلات البخارية في سفنها، أمر على الفور دار الصناعة بالإسكندرية ببناء مجموعةٍ من السفن البخاريَّة، فقامت الترسانة -بالتعاون مع ترسانة بلاكوال في لندن- ببناء أسطول بحري يتكوَّن من حوالي عشر قطع، منهم ما بُنِي كاملًا في لندن، مثل: (الفرقاطة البخارية النيل)، ومنها ما بُنِي بالشراكة، مثل: (براوز بحري، وأسيوط، وجيلان بحري، وبولاق، ورشيد..) وكانت تلك البواخر مسلَّحة بما يقارب 9 إلي 12 مدفعًا، بالإضافة إلى الفرقاطة البخارية "الشرقيَّة" التي بُنِيت في الإسكندرية ورُكِّبت آلاتها البخاريَّة في أحواض بلاكوال.
وقد قرَّر محمد علي الاستفادة منها ومن باقي الأسطول البخاري المصري؛ فقد أنشئت هيئةُ أركان البحريَّة شركةَ نقل بحري مدنيَّة بالشكل فقط، واسمها "الكومبانيَّة المصرية" على أن تتولَّى البحريَّة إدارتها بشكلٍ كامل، وتتولى نِظَارة التجارة والشؤون الإفرنجية (وزارة الخارجيَّة حاليًّا) إدارة مكاتب الشركة خارج مصر، ويكون أسطول الشركة هو الأسطول البخاري الحربي للاستفادة منه في وقت السلم.
وبالفعل نُظِّم خطُّ رحلات تمرُّ فيه البواخر على ثغور شرق المتوسِّط في فتراتٍ معيَّنةٍ كلَّ بضعة أيام (مثل نظام عمل القطارات)، وهو ما كان أمر هائل السرعة حينها.
أول سفينة بخارية مصرية "براوز بحري"
ومن أهم قِطَع هذا الأسطول البخاري سفينة "براوز بحري" واسمها يعني "طيار البحر"، وقد بدأ بناء "براوز بحري" بالإسكندرية بالتعاون مع أحواض بلاكوال عام 1844م، وانتهي بنائه عام 1845م، ويُمكن أن يتسلَّح على حسب الحاجة حتي 12 مدفعًا.
وهذا الوابور (السفينة البحرية) مبنيٌّ من الخشب ويعمل بمحرِّكٍ بخاريٍّ قوَّته مائتي حصان، وكذلك بالأشرعة عند الحاجة، ويعمل بحدِّ أدنى بطقمٍ مكوَّن من عشرين فرد، وسواريها (قبطانها) ضابط برتبة صاغ (رائد - Major)، وفي حالة التسليح الكامل يُمكن أن يصل حجم طاقمها إلى مائة فرد، ويُمكن أن يحمل الوابور حتى مائتي فرد من ضمنهم طاقم الوابور.
منذ بنائه كانت مهامُّ الوابور مقتصرةً على الاستطلاع والمراسلات والبريد والرحلات العاجلة لكبار رجال الدولة؛ وذلك بسبب سرعته الكبيرة، لكن في عام 1853م دخلت مصر حرب القرم بجانب قوَّات التحالف، وأرسلت أسطولًا بقيادة الفريق حسن باشا الإسكندراني، واختارت البحرية الوابور كسفينة لنقل المرسلات الحربيَّة والاستطلاع لسرعته، وبعد وصول الأسطول لإسطنبول قُسِّم لفرق، فأُرْسِلت الفرقاطة "دمياط" والوابور "براوز بحري" للعمل مع أسطول البحر الأسود العثماني، واختارت قيادة التحالف "براوز بحري" كسفينة مراسلات لأسطول البحر الأسود، وانتشر باقي الأسطول في جزر البحر لتأمينها.
بدء المعركة الأولى من نوعها
في آخر شهر أكتوبر من عام 1853م تجمَّعت سفن الأسطول العثماني والسفينتان المصريتان في ميناء مدينة سينوب، ولمـَّا عَلِم قائد أسطول البحر الأسود الروسي الأدميرال "ناخيموف" ذلك عزم على تدميره في الميناء قبل عودة الأسطول للبحر، فأرسل بعض سفن أسطوله لمراقبة خطوط الملاحة من سينوب الي إسطنبول.
خدعة روسية
وفي يوم 7 نوفمبر بالتقويم الروسي -حوالي يوم 17 أو 18 نوفمبر بالتقويم العادي- رصدت الباخرة الروسية فلادمير (قبطانها الرائد بحري جي.ال.بتيكوف، وكان عليها -أيضًا- رئيس أكان أسطول البحر الأسود الروسي الفريق أول بحري فلادمير.أ.كورنيلوف) السفينة "براوز بحري" المصرية (كان قبطانها الصاغقول أغاسي صالح قبدان) أثناء عودتها بالمراسلات الحربيَّة من إسطنبول.
وفي الساعة الثامنة صباحًا اقتربت فلادمير بحرص شديد من "براوز بحري" دون أن يكتشف طاقمها أنَّها باخرة روسيَّة، وقد ذكر الأدميرال (رتبة فريق بحري) في الأسطول الخديوي "إسماعيل باشا سرهنك" في كتابه "حقائق الأخبار عن دول البحار"، أنَّ السفينة الروسيَّة اقتربت رافعةً العلم العثماني.
وفي الساعة العاشرة صارت السفينتان قريبتين بشكلٍ كبير، ففاجئت السفينة "فلادمير" وابور "براوز بحري" بهجومٍ مباشرٍ أصاب آلاتها البخاريَّة، فعجزت بعدها عن الحركة بشكلٍ منتظم، وعلى الرغم من أنها إصابةٌ مباشرةٌ تمنع أيَّ سفينةٍ من استكمال المعركة، إلَّا أنَّ "براوز بحري" وطاقمها رفض الاستسلام.
الهزيمة المشرِّفة
وبدأت "فلادمير" مطاردةً طويلةً غير متكافئةٍ لـ"براوز بحري" طوال ثلاث ساعات تبادلوا فيها إطلاق النيران، ولكن الجسد المدرَّع لفلادمير نجح في صدِّ مقذوفات براوز بحري، في حين كانت مقذوفاتها تُخْتَرِق بسهولة جسم براوز بحري الخشبي، وفي هذا الوقت بدأت سفن روسيَّة أخري بالظهور، وبدا أنَّ نهاية براوز بحري اقتربت.
وعند الساعة الثانية عشر والنصف نجح طاقم براوز بحري في القيام بمناورةٍ عكسيَّةٍ استغلُّوا فيها كلَّ الطاقة المتبقيَّة في "براوز"، للإفلات من وضع المطارَد، وجعل براوز بجانب فلادمير، وأُطلقت مدافع الجانب الأيسر الأربعة في الوقت نفسه، ونجحت إحدي القذائف في اختراق فلادمير وإشعال النار في جزءٍ منها، وقتل خمسة أفراد من طاقمها، منهم ثلاثة ضبَّاط، ومنهم الملازم بحري "جيزايزسلزنوف" الذي مات أثناء إنقاذ الأدميرال "كورنيلوف" من الموت، ولكن مباشرةً بعد هذه المناورة التي كانت ضربة براوز الأخيرة بعد أن فقدت كلَّ قوَّتها، وفي الساعة الواحدة توقَّفت براوز بحري واستسلمت.
النهاية
بعد موت 19 عشر فردًا من طاقمها منهم يوزباشي وملازِمَين وستَّة عشر بحَّارًا، واصابة 21 آخرين، تُوفِّي منهم بعد ذلك ثلاثة متأثِّرين بإصابتهم الخطرة، استسلم طاقم براوز بحري، وسحب الأسطول الروسي الباخرةَ إلي "ميناء سيفاستوبول"، وعُومِل طاقمها كأسرى حرب بالاحترام الواجب لقتالهم المشرف.
وقد أصلح الروس بعد ذلك "براوز بحري" وغيَّروا اسمها إلى "أدميرال كورنيلوف" رئيس أركان أسطول البحر الأسود الروسي، الذي قاد معركة فلادمير ضدَّ براوز بحري، وهي المعركة التي تُعدُّ أوَّل معركةٍ بين سفينتين بخاريَّتين في التاريخ.
وبعد ذلك وفي عام 1855م شاركت السفينتين في الدفاع عن مدينة سيفاستوبل ضدَّ حصار الحلفاء، الذي شاركت فيه -أيضًا- القوَّات المصريَّة برًّا وبحرًا، وغرق فيه تقريبًا كلُّ أسطول البحر الأسود الروسي ومعه الفريق بحري "كورنيلوف" بما فيهم "فلادمير" و"براوز بحري" التي صار اسمها "كورنيلوف".
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- حول كلمة التوحيد .. أركانها وشروطها ونواقضها
- المقفي .. سلسلة أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم
- قصة آل عمران .. العائلة التي كرَّمها الله في القرآن الكريم
- قلعة زعبل السعودية .. أربعة قرون من الشموخ | بالصور
- عشرة قال فيهم رسول الله "ليس منا"
التعليقات
إرسال تعليقك