ملخص المقال
تعرف على أسباب نشأة المخابرات العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني والطرق الابتكارية التي استخدمتها
السلطان عبد الحميد الثاني وإنشاء جهاز المخابرات
بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني تفرغ لكتابة مذكراته، وكا من أهم ما أشار إليه فيها أنَّه أسَّس في أثناء حكمه جهاز استخبارات، وقد أوضح في مذكِّراته سبب تأسيسه لهذا الجهاز قائلًا:
«حسب العُرف العثماني، يتعرَّف السلطان على تفكير الرعيَّة وشكواها عن طريق جهاز الحكم؛ من ولاته وقضائه من جانب، وعن طريق التكايا المنتشرة في ربوع البلاد بمشايخها ودراويشها من جانبٍ آخر، فيجمع كلَّ هذه اﻷخبار ويُدير البناء عليها...».
وأضاف: «جدي السلطان محمود الثاني وسَّع دائرة مخابراته بإضافة الدراويش الرُّحَّل إليها،كان ذلك عندما ارتقى العرش، وعلى ذلك استمر...».
ويروي السلطان -أيضًا- في مذكراته: «علمتُ ذات يومٍ من موسوروس باشا، سفيرنا في لندن، أنَّ الصدر اﻷعظم السابق السر عسكر حسين عوني باشا تسلَّم نقودًا من الإنجليز، إذا كان الصدر الأعظم وهو يحكم البلاد باسم السلطان يخون بلدته، فإنَّ مخابراته لا بُدَّ أن تُبلغ القصر على أنَّه يُؤدِّي عمله على الوجه الأكمل، لذلك تكدَّرْتُ وتأثَّرت، في أثناء تلك الأيَّام قابلني محمود باشا، وأدلى إليَّ ببعض معلوماتٍ عن بعض أعضاء تركيا الفتاة، وكانت الأخبار التي قدَّمها لي هامَّة».
ويكمل السلطان: «سألته عن طريق حصوله عليها، فعرفتُ أنَّه أنشأ مخابرات خاصَّة، واحتوى بالنقود أقارب لبعض الأشخاص من "تركيا الفتاة"، وهؤلاء كانوا يُقابلون أقاربهم ويسمعون منهم ثم يُخبرونه فيدفع لهم، صحيحٌ أنَّه زوج أختي إلَّا أنَّه لا يصحُّ أن يُقيم أحد باشوات الدولة مخابراتٍ مستقلَّةً عن مخابرات الدولة، قلت له أن يحلَّ جهازه هذا فورًا، وألَّا يُعاود العمل بمثل هذا الأمر مرَّةً أخرى، وقد أحال إليَّ جهازه هذا وهو متضايقٌ كثيرًا».
وتابع قائلًا: «لا يُمكن للدولة أن تكون آمنة إذا تمكَّنت الدول الكبرى من أن تُجنِّد لخدمة أهدافها أشخاصًا في درجة وزير أعظم، بناءً على هذا قرَّرتُ إنشاء جهاز مخابراتٍ يرتبط بشخصي مباشرة، وهذا هو الجهاز الذي يُسمِّيه أعدائي بالجورنالجيَّة (الشرطة السرية - المخابرات)، وكان ضروريًّا أن أعرف أن بين أعضاء جهاز الجورنالجيَّة المخلصين الحقبقيِّين أشخاصًا مفترين، لكنِّي لم أصدق ولم آخذ بأيِّ شيءٍ يأتي من هذا الجهاز مطلقًا دون تحقُّقٍ دقيق».
ويُؤكِّد ذلك قائلًا: «نعم أنا أسَّست جهاز الجورنالجيَّة (المخابرات)، وأنا أدرته؛ بعد أن رأيت الصدور العظام (رؤساء الوزراء) يرتشون من الدول الأجنبيَّة، مقابل هدم دولتهم والتآمر على سلطانهم، أسَّستُ هذا الجهاز لا ليكون أداةً ضدَّ المواطن؛ إنَّما كي يعرف ويتعقَّب هؤلاء الذين خانوا دولتي في الوقت الذي كانوا يتسلَّمون فيه رواتبهم من خزانتها، وفي الوقت الذي كانت النعمة العثمانيَّة تملؤهم حتى حلوقهم».
وأشار السلطان: «كان جدي السلطان سليم يصيح قائلًا: إنَّ أيدي الأجانب تتجوَّل فوق كبدي، وعلينا أن نُرسل السفراء إلى الدول الأجنبيَّة لنقل أساليب التقدُّم الأوروبِّي وعلينا إرسال الرسل إلى الخارج، ولنعمل سريعًا على تعلم ما وصلوا إليه».
ويكمل السلطان عبد الحميد: «كنتُ أحسُّ أنا -أيضًا- بأيدي هؤلاء الأجانب، ليست فوق كبدي وإنَّما في داخله، إنَّهم يشترون صدوري العظام ووزرائي ويستخدمونهم ضدَّ بلادي، كيف يحدث هذا وهم الذين أنفقتُ عليهم من خزانة الدولة ولا أستطيع معرفة ما يعملونه وما يُديرون ويُعِدُّون؟!».
وكالة يلديز الاستخباراتية
وكالة يلديز للاستخبارات؛ هي وكالةٌ أسَّسها السلطان عبد الحميد الثاني، بناءً على فهمه الاستراتيجي الخاص والفريد، وقد وقفت الجهات المتخصِّصة في هذا المجال حائرةً أمامه.
أمَّا منظَّمة البريد للاستخبارات؛ فهي فهمٌ استخباراتيٌّ تركي، يرجع إلى العهد السلجوقي أو قبله بكثير، وقد استمرَّت طريقة البريد في العهد العثماني بين أعضاء الأسرة الحاكمة وأهل الحلِّ والعقد.
وقد أدت طريقة البريد إلى إضعاف الدولة العثمانية؛ لأنَّ تقاسم المعلومات الاستخباراتيَّة في نطاقٍ واسعٍ يُؤدِّي إلى وصولها إلى جهاتٍ غير مرغوبٍ بها.
ولأنَّ السلطان عبد الحميد الثاني يعرف هذه الظاهرة بشكلٍ جيِّد؛ فقد ابتكر فهمًا جديدًا في الاستخبارات؛ وهو أنَّ المعلومات تصل فقط إلى السلاطين، وسمَّى هذه الاستخبارات الجديدة "تنظيم يلديز".
حتى تنظيم يلدز كان المظهر من هذه التشكيلات فقط؛ فقد نشر السلطان أعضاءه في أنحاء الدولة العثمانيَّة، وكانت إسطنبول مركز التنظيم ﻷنَّها العاصمة وقتئذٍ.
وقد تكوَّنت استخبارات يلديز من عدَّة أقسام، ولعل وحدة الاستخبارات المجدوبيَّة -أي المختلين ذهنيًّا- هي أكثر الوحدات اختلافًا فيها؛ فقد كان هناك أناسٌ يلبسون ملابس غريبة يُسمِّيهم الشعب بالمجدوبين؛ أي المختلين.
يُمكن إيجاد هؤلاء في كلِّ زقاقٍ من أزقَّة إسطنبول، كانوا يُعلِّقون على أعناقهم ما يُسمَّى بإناء الفقراء، ورئيس هذه الوحدة كان رئيس المدينة كلِّها، وكان يُسمَّى بجدِّ المجدوبين؛ أي المختلين.
وكلُّ الدراويش الذين ينضمُّون إلى التنظيم يتلقَّون تربيةً صوفيَّة، ولا يهتمُّون بالمال ولا المنصب ولا الشهرة، ومن أشهر هذه التكيات الاستخباراتيَّة هي "مولوي خانة يني كابي".
وقد أسهمت الاستخبارات المجدوبيَّة في إسطنبول بشكلٍ كبيرٍ في إظهار مسبِّبي عمليَّات التخريب التي تتمُّ بالمساندة السرِّيَّة مع اﻷعداء.
وهذه صورةٌ من صور ودلالةٌ من دلالات، وإشارةٌ تدلُّ على عمق الفهم وشموليَّة التعامل مع شئون الدولة والفرص التي تُواجهها.
المصدر: ترك برس (بتصرف).
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- هل لك خبيئة صالحة؟!
- مليون جنيه لمواجهة فيضان النيل عام 1946
- كم مرة أشار فيها القرآن لأرض الشام؟
- إنفوجرافيك | سلسلة مناسك الحج -3
- أمهات عظيمات أنجبن عظماء في التاريخ الإسلامي
التعليقات
إرسال تعليقك