ملخص المقال
تعرف على معنى كلمة «قبط» ودلالتها في اللغة والتاريخ، وبيان استخدامها في واقعنا المعاصر.
كلمة "قبط" في اللغة
"القِبْطُ: أَهْلُ مِصْرَ، وهم بُنْكُها، بالضَّمِّ؛ أَي أَصلُها وخَالِصُها". وهذا المعنى ذكره أغلب أصحاب المعاجم؛ قاله: (الفراهيدي، والجوهري، وابن منظور، والفيروزأبادي، والزبيدي، والأزهري، وغيرهم الكثير)[1].
هذا هو معني القبط الذي اتَّفق عليه أهل اللغة، أمَّا نسبهم، فكما قال الزبيدي في (تاج العروس):
«واختُلف في نسب القِبط، فقيل: هو القِبْطُ بْنُ حَامِ بْنِ نُوحٍ عليه السلام، وذكر صاحب الشجرة أنَّ مصرايم ابن حام أعقب من لوذيم، وأنَّ لوذيم أعقب قبط مصر بالصعيد، وذكر أبو هاشم (أحمد بن جعفر العباسي الصالحي النسابة) قبط مصر في كتابه، فقال: هم ولد قبط بن مصر بن قوط بن حام، كذا حقَّقه ابن الجَوَّانِي النسَّابة في "المقدمة الفاضلية"، وإليهم تُنسب الثياب القُبْطِيَّة بالضم، علي غير قياس»[2].
كلمة "قبط" بين الأصل والعُرف
هذا هو معني كلمة قبطي في الأصل، وهذا هو نسبهم، وإنَّما ذكرناه كي تتَّضح لنا حقيقةٌ تاريخيَّةٌ يُريد بعضهم أن يطمسها، أو يُشوِّهها، أو يُغالط فيها؛ ليتوصَّل بذلك إلي إثبات أنَّ هُويَّة مصر نصرانيَّةٌ في عقيدتها وشريعتها.. مع أنَّ الأدلَّة تُنادي بخلاف ذلك.
ومع هذا فقد دَرَج عُرْفُ الناس في العصور المتأخِّرة علي تخصيص نصاري مصر بهذة اللفظة؛ بحيث إذا قيل: (القبطي) فَهِم السامع أنَّ المتكلم يُقصد بها النصراني من أهل مصر، واشتهر ذلك بين كثيرٍ من الناس، حتي أصبح التفريق فيها بين الصواب والخطأ عزيزًا، لا يعلمه إلَّا طائفةٌ محدودةٌ من الناس، وقد دَرَج علي هذا النقل العرفي لمعني الكلمة أبو العباس الفيومي صاحب (المصباح المنير)، فيقول: "القِبْط بالكسر نصاري مصر، الواحد: (قِبْطِي)، علي القياس"[3].
لكن واضعي "المعجم الوسيط أرادوا أن يزداد الأمر وضوحًا، فجمعوا بين المعنيين: اللغوي والعرفي؛ لينتبه الناس للحقيقة الثابتة، مع إحاطتهم بالمعني العرفي المشهور.
فجاء في "المعجم الوسيط": "القبط: كلمة يونانية الأصل بمعني سُكَّان مصر، ويُقصد بهم اليوم المسيحيُّون من المصريِّين، جمعها: أقباط"[4].
يبقي بعد ذلك أن نُبيِّن حكم إطلاق النصارى في مصر بهذا الاسم على أهل مصر جميعًا.
والجواب: إنَّ هذه الكلمة "القبطي"، صارت كلمةً مشتركةً تُطْلَق على صِنفين من بني آدم: (المصريين جميعًا، ونصاري مصر خاصَّةً)، وذلك عند طائفةٍ من المثقَّفين والمتعلِّمين، وصارت ذات معنًى واحدٍ عند عوامِّ الناس ودهمائهم، فلا يُفهم منها لدى العوامِّ سوى نصارى مصر.
ولمـَّا كان اللفظ مشتركًا عند البعض، وموهمًا عند البعض الآخر، كان الراجح من جهة النصِّ والعقل: أنَّ المسلم المصري لا ينبغي أن يقول على نفسه: إنَّه قبطي، ويقتصر على ذلك؛ إلَّا إذا كان السامع يفهم ما يقصد من قوله، وهو أنَّه مسلم، ينتمي إلى أصولٍ مصريَّة، أو يُتْبِع ذلك بقوله: "مسلم"، فيقول: "قبطي مسلم"؛ وذلك لغلبة العرف في استعمال هذه الكلمة عند العوام، بخصوص النصراني المصري، والحقيقة العرفية إذا غلبت في الاستعمال قُدِّمَت علي غيرها من الحقائق الأخري.
وقد نهى الله تعالي المؤمنين عن مشابهة الكافرين النطق ببعض الكلمات المشتركة في المعني، المتَّحدة في اللفظ؛ وذلك فرارًا من هذا المعنى الموهِم، وهذا من كمال الولاء والبراء، وما نحن بصدده أولى من ذلك؛ لأنَّ اللفظة التي نتكلَّم عنها صارت عند جمهور الناس من الألفاظ الخاصَّة بغير المسلمين، وليست مشتركةً فحسب كما يفهمها كثيرٌ من المثقفين والمتعلمين.
قال الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لتلك الآيات: "نهى الله عباده المؤمنين أن يتشبَّهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم؛ وذلك أنَّ اليهود كانوا يُعانون من الكلام ما فيه توريةٌ لِمَا يقصدونه من التنقيص –عليهم لعائن الله– فإذا أرادوا أن يقولوا: "اسمع لنا"، قالوا: "راعنا"، ويورون بالرعونة..
كما قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا} [النِّسَاءِ: 46].
وقال شيخ الإسلام عند هذه الآية: "... إنَّ هذه الكلمة [راعنا] نُهِي المسلمون عن قولها؛ لأنَّ اليهود كانوا يقولونها، وإن كانت من اليهود قبيحة ومن المسلمين لم تكن قبيحة"[5]. ومن هنا استدل بعدم استخدام كلمة "قبط" لغير النصارى.
في النهاية:
فإنَّ كلمة "قبط" قبل دخول العرب إلي مصر كانت تدلُّ على أهل مصر دون أن يكون للمعتقد الديني أثرٌ علي الاستخدام، إلَّا أنَّه بسبب كون المسيحية كانت الديانه السائدة بين المصريين وقت دخول العرب المسلمين مصر، فقد اكتسب الاسم كذلك بعدًا دينيًّا حيث رفض المسلمون أن يُسموا بالأقباط لتمييزهم عن النصارى في البلاد؛ فانحصرت كلمة قبطي علي مرِّ العصور لتُشير إلى النصارى في مصر وكذلك أصبحت تستخدم في الخطاب الرسمي للدلالة علي النصارى المصريين تحديدًا.
المصدر: موقع الدكتور محمد داود، (بتصرف).
[1] انظر: الخليل بن أحمد: العين 5/109، وابن منظور: لسان العرب 7/373، الأزهري: تهذيب اللغة 9/33، والجوهري: الصحاح 3/1150، الزبيدي: تاج العروس 20/5.
[2] الزبيدي: تاج العروس 20/5.
[3] الفيومي: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير 2/488.
[4] مجمع اللغة العربية: المعجم الوسيط، 2/711.
[5] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق: ناصر عبد الكريم العقل، دار عالم الكتب، بيروت - لبنان، ط7، 1419هـ=1999م، 1/173.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- قصة الحلاق الذي تعلم منه أبو حنيفة النعمان .. من روائع القصص
- لماذا قال الإمام مسلم «دعني حتى أقبل رجليك»؟
- أسرة محمد علي باشا .. أربعة أنظمة للحكم في قرن ونصف!
- معنى كلمة لإيلاف قريش
- رسالة إلى شباب الأمة
التعليقات
إرسال تعليقك