ملخص المقال
كانت الأندلس في آخر عهد الخلافة الأموية في أقوى أحوالها ، ومع ذلك تحولت بعدها مباشرة إلى أسوأ عصور الأندلس .. فكيف حدث ذلك؟!
إرهاصات الفتنة
بقدر ما كانت بداية القرن الرابع الهجري بداية الارتقاء الحضاري لبلاد الأندلس، بقدر ما كانت نهايته بداية أفول نجم العدوة الأندلسية؛ ذلك أنَّه قيض لهذا البلد وصول رجلين عظيمين أسهما بما امتلكاه من قوَّةٍ وحزمٍ في تحقيق النموِّ والتطوُّر في كافَّة المجالات، ويتعلَّق الأمر بالخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله، والمنصور بن أبي عامر..
ويبدو جليًّا الدور الذي قام به كلٌّ من الناصر والمنصور في توحيد البلاد، والقضاء على الثوَّار من جهة، والتخلُّص من اعتداءات النصارى من جهةٍ أخرى، بالإضافة إلى ما قاما به من أعمال داخل دار الإسلام في المجالات الاقتصادية والثقافية والعمرانية، وتشهد نتائجها على عظمة الرجلين، ومع ذلك فإنَّ بذور الانهيار ولدت إبَّان حكمهما..
ذلك أنَّ خلافة الأمويين قد ارتبطت بفردٍ وليس بنظام، حيث جاء إعلانها منسجمًا مع الموقع القوي الذي بلغه عبد الرحمن الناصر في الأندلس التي أصبحت مرتبطة بشخصيته، وبالتالي فقد وُلِدت معه، وغابت مع غيابه، ولئن استمرت خلال عهد ابنه الحكم المستنصر؛ فذلك لأنَّه استمدَّ رصيده السياسي من أبيه وليس من قوَّة النظام..
وينطبق الأمر نفسه على المنصور ابن أبي عامر الذي قضى على كلِّ الكفاءات التي رأى فيها حدًّا من سلطانه؛ فسجن وقتل كلَّ من عارضه، ولم يسلم من بطشه لا الصهر ولا الصديق ولا الابن، ولئن حقَّق بذلك لنفسه سمعةً مكَّنته من السير بالأندلس قدما نحو السؤدد، إلَّا أنَّ ذلك سينتهي بموته..
نشوب الفتنة
بعد وفاته خلفه ابنه المظفر الذي اتَّبع سُنَّة أبيه في الجهاد والغزو، ونجح في ردِّ اعتداءات ملوك النصارى، وحافظ على هيبة الدولة وسلامة حدودها، لكنَّ الأمور ستنقلب رأسًا على عقب بعد وفاته؛ فبوصول أخيه عبد الرحمن إلى منصب الحجابة، وتطلُّعه إلى نيل الخلافة، انطلقت الشرارة التي ستشتعل منها نيران الفتنة التي ستؤدِّي أوَّلًا إلى سقوط الدولة العامرية سنة (399هـ= 1008م)، وبسقوطها ستعيش الدولة الأندلسيَّة صراعات دامية كان من آثارها قتل كثيرٍ من الأندلسيِّين، وتفكُّك وحدتهم، وتصدُّع قوَّتهم، وإهدار الكثير من قيمتهم.
ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن لأول وهلة هو ما المقصود بالفتنة؟
إنَّ الفتنة التي نعنيها هنا هي ذلك الخلاف الذي وقع بين فئتين من المسلمين: البربر من جهة والأندلسيين، وبخاصَّةٍ منهم أهل قرطبة من جهةٍ أخرى حول منصب الخلافة..
وقد أدَّى ذلك إلى قيام صراعٍ دامٍ بين الطرفين استمرَّ طيلة الفترة الممتدَّة بين حكم محمد بن هشام بن عبد الجبار الأموي وتاريخ إعلان إنهاء الخلافة الأموية بالأندلس..
لقد تميزت هذه الفتنة بتلك الكراهية الشديدة التي كانت بين الإخوة في الدين والشركاء في الوطن البربر من جهة، والأندلسيين من جهة أخرى، تلك الكراهية التي أدَّت إلى اندلاع حربٍ شعواء لا تحترم النساء ولا الأطفال ولا الشيوخ، وتجاوز الغضب ذلك، فطال العمران؛ إذ هُدِمت الدور وخُرِّبت المباني، وانتُهكت حرمة بيوت الله وبخاصَّةٍ في مدينة الزاهرة التي أُزيلت من الخريطة، والزهراء التي طُمِست أغلب معالمها الحضارية..
تلك الكراهية التي جعلت العدوَّ صديقًا والأخ عدوًّا، ويؤكِّد ذلك استعانة الطرفين المتصارعين بالنصارى، الأعداء الحقيقيين، وتمكينهم من رقاب المسلمين؛ فاستغلَّ هؤلاء الفرصة، وثأروا لأنفسهم ممَّا جرى لهم على أيدي الفاتحين، وتمكَّنوا من استرجاع جزءٍ ممَّا فقدوه على أيديهم، وبذلك صار النصارى يتحكَّمون في مسلمي الأندلس، ويُوجِّهونهم حسب ما تقتضيه مصالحهم.
المصدر: عبد القادر بوباية: البربر في الأندلس، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 2011. نقلًا عن: موقع المعرفة الأندلسية.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- بالصور | أغرب 9 اكتشافات أثرية في تاريخ البشرية
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- حقيقة عيسى العوام وأكذوبة فيلم صلاح الدين
- ألقاب أم المؤمنين عائشة
- قصة ساعة هارون الرشيد التي أثارت الجدل في مونديال قطر
التعليقات
إرسال تعليقك