ملخص المقال
كان لعائشة رضي الله عنها عدد من الألقاب، ومضامين هذه الألقاب دالة على عظيم فضلها وشرفها، وكثرتها تؤكد على هذا الفضل والشرف.
ألقاب أم المؤمنين عائشة
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خريجة بيتين عظيمين من بيوتات هذه الأمة، حيث عاشت طفولتها في بيت والدها الصديق ثاني رجل في الأمة، وأعلم رجل فيها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بيت علمٍ وفضلٍ ومجدٍ، وبذل وسخاء وقِري الضيف، فتكحلت عيناها بما تشاهد في هذا البيت من مكرمات وفضائل.
وأَخَذْتُ عن أَبَوَيَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ... وَهُما على الإسْلامِ مُصْطَحِبانِ
فلقد أراد الله تعالى أن تنشأ عائشة رضي الله عنها نشأة مباركة، لتألف الخير، ولتكون عَلَمًا من أعلامه، ثم اختار الله لها التوفيق والخير كلَّه، فانتقلت إلى بيت أعظم مربٍّ، وأفضل معلِّمٍ ومؤدبٍ عرفه التاريخ البشري على الإطلاق، لتتربَّى في مدرسة الكمال النبوي المطهر؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يحوطها بمزيد من الرعاية والتوجيه، لِمَا توسَّمَ فيها من مخايل الذكاء والنجابة، ولقربها منه جسدًا وقلبًا، فهي زوجته، وأحبُّ الناس إليه.
مَنْ ذا يُفَاخِرُني وينْكِرُ صُحْبَتِي ... ومُحَمَّدٌ في حِجْرِهِ رَبَّاني؟
وقد كانت عائشة رضي الله عنها بحرصها وذكائها وفطنتها وحبها له صلى الله عليه وسلم تقتدي بفعله، وتنهج طريقته، وتسير بسيرته، حتى برزت شخصيتها كقدوة ومربية ومعلمة، لتصبح سيرتها ومناقبها مدرسة يُحتذى بها، فحياتها كأنثى بتفاصيلها أنموذج رائع للمرأة والفتاة المعاصرة، عائشة نجمة تتألق، يُستهدى بها في ظلمة الليل، خاصة في مثل هذا الواقع المعاصر، هي شخصيَّةٌ فذَّة، وإنسانةٌ عظيمة، يكفي القول: هي عائشة المواقف الرائعة، والسُّلوك الرَّاقي الحكيم، والتناغم الجميل بين علمها وفطنتهاألق، وبين أناقتها وروعتها.
ألقاب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
كان لعائشة رضي الله عنها عدد من الألقاب، ومضامين هذه الألقاب دالة على عظيم فضلها وشرفها، وكثرتها تؤكد على هذا الفضل والشرف، فمن أهم هذه الألقاب:
1- أم المؤمنين
وهو أشهر ألقابها، وقد لقبها الله تبارك وتعالى به، حيث يقول تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب:6]، وهذا اللقب الدال على شرفها، مما يُشاركها فيه بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فكلهن رضي الله عنهن من أمهات المؤمنين.
2- حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو لقب مستنبط من اختصاصها بمزيد المحبة منه صلى الله عليه وسلم، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك؟ فقال: «عائشة»، فقيل له من الرجال؟ قال: «أبوها»، فقيل له ثم أي؟ فقال: «عمر بن الخطاب»[1].
واختصاصها بمحبة زائدة من النبي صلى الله عليه وسلم كان معلومًا عند الصحابة، ولذا لمَّا فرض عمر رضي الله عنه لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن عشرة آلاف، وزاد عائشة ري الله عنها ألفين، وقال: "إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم"[2].
٣- الْمُبَرَّأة:
وهو لقبٌ أُطلق عليها لنزول القرآن ببراءتها مما رماها به المنافقون من الإفك، فهي عائشة المبرأة من فوق سبع سماوات رضي الله عنها وأرضاها، وقد كان مسروق[3] إذا حدث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يقول: "حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة"[4].
4 - الطَّيِّبة:
فقد شهد الله لها بأنها طيبة؛ فقال تعالى تعقيبًا على حادثة الإفك: ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [النور:26].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "فهذه كلمة عامة، وحصر لا يخرج منه شيء، من أعظم مُفرداته أنَّ الأنبياء -خصوصًا أولي العزم منهم، خصوصًا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق- لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك، من قصد المنافقين، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح، فكيف وهي هي؟! صديقة النساء وأفضلهنَّ وأعلمهنَّ وأطيبهنَّ، حبيبة رسول رب العالمين"[5].
وجاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خُلقت طَيِّبَة وعند طيِّب، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريمًا"[6].
ولَمَّا دخل ابن عباس رضي الله عنهما عليها، وهي في مرض الوفاة، قال لها: "كُنْتِ أحَبَّ نساءِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليه ولَمْ يكُنْ يُحِبُّ رسولُ اللهِ إلَّا طيِّبةً"[7].
5- الصِّدِّيقة:
كان مسروق رحمه الله إذا حدَّث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يقول: "حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة"[8].
وقال الحاكم: "ذكر الصحابيات من أزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهنَّ، رضي الله تعالى عنهن، فأول من نبدأ بهنَّ الصديقة بنت الصديق؛ عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما"[9].
وقال الحافظ ابن حجر: "هي الصدِّيقة بنتُ الصدِّيق"[10].
6- الحميراء:
الحميراء تصغير حمراء، قال الذهبي: "والحمراء في خطاب أهل الحجاز هي البيضاء بشرة، وهذا نادرٌ فيهم"[11]. وجاء ذكر هذا اللقب في غير ما حديث[12] لكنَّها أحاديث متكلَّم فيها، حتى قال الإمام الذهبي: "وقد قيل: إنَّ كلَّ حديثٍ فيه يا حميراء لم يصح". بل ذهب بعض أهل العلم -كالإمام ابن القيم- أنَّ كلَّ حديثٍ جاء فيه ذكر الحميراء فهو موضوع، قال عليه رحمة الله: "وكلُّ حديثٍ فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذبٌ مختلَق؛ مثل: يا حميراء، لا تأكلي الطين؛ فإنَّه يُورِث كذا وكذا، وحديث: "خذوا شطر دينكم عن الحميراء"[13].
لكنَّ الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكر في (الفتح) حديث: "دخل الحبشة يلعبون، فقال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم؟» فقلت: نعم"[14]. ثم قال معقِّبًا: "إسناده صحيح، ولم أرَ في حديثٍ صحيح ذكر الحميراء إلَّا في هذا"[15].
۸- الموفَّقة:
من الألقاب التي أقبت بها عائشة: (موفَّقة) لقَّبها به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ[16] مِنْ أُمَّتِي أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِمَا الجَنَّةَ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: «وَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ يَا مُوَفَّقَةُ»، قَالَتْ: فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: «فَأَنَا فَرَطُ أُمَّتِي لَنْ يُصَابُوا بِمِثْلِي»[17].
وهذه الألقاب جميعًا دالَّة على فضل أم المؤمنين رضي الله عنها -كما سبق- وما لقَّبها به النبيُّ صلى الله عليه وسلم منها فيدلُّ أيضًا على شدَّة حبِّه صلى الله عليه وسلم لها واهتمامه بها، وقد كان صلى الله عليه وسلم يُناديها بقوله: (يا عائِش) على التَّرخيم، وهي من عادات العرب مع من يحبون، فعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ» فَقُلْتُ: "وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى مَا لَا أَرَى"[18].
وقال الحافظ ابن حجر: "عُويش خاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أم المؤمنين، أورده الطبراني في (العشرة) من طريق مسلم بن يسار، قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة فقال: «يا عويش...»"[19].
وكان أيضا يناديها بقوله صلى الله عليه وسلم: «يا بنت الصديق»، «يا بنت أبي بكرe[20]، وغير ذلك.
وقد عدَّ بعضهم في ألقاها خليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على اعتبار أن الحلة أعلى درجات المحبة، واحتجوا بقول حسان بن ثابت رضي الله عنه يمدح أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
خليلةُ خيرِ الناسِ دينًا ومنصبًا ... نبيِّ الهُدى والمَكرُماتِ الفَوَاضِلِ
وهو تصحيف، صوابه (حليلة خير الناس) كما في (ديوانه)[21].
وجاء في "سير أعلام النبلاء" أنَّه جرى ذكر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عند علي رضي الله عنه فقال: "خليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم"[22]. وهو أيضًا تصحيفٌ صوابه (حليلة)، ومعلومٌ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنِّي أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل»[23].
[1] البخاري ومسلم
[2] رواه المحاملي في الأمالي 242، والخرائطي في اعتلال القلوب 25، والحاكم.
[3] هو مسروق بن الأجدع بن مالك، أبو عائشة الكوفي، الإمام، القدوة، العلم، العابد، الفقيه، شهد القادسية، وشلت يده فيها وأصابته آمَّة، قيل شهد صفين، ولم يقاتل، ولاه زياد على السلسلة، توفي سنة 62 هـ، وقيل 63 هـ، انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 66)، و "تهذيب التهذيب" لابن حجر (5/ 416).
[4] المعجم الكبير للطبراني: (289، 290)، وانظر: مسند أحمد (26086).
[5] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: 352).
[6] رواه أبو يعلى (8/90) (4626).
وتمامه "لقد أعطيت تسعًا، ما أعطيتها امرأة إلا مريم بنت عمران: لقد نزل جبريل بصورتي في راحته، حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني. ولقد تزوجني بكرا، وما تزوج بكرا غيري. ولقد قبض ورأسه لفي حجري، ولقد قبرته في بيتي، ولقد حفت الملائكة بيتي. وإن كان الوحي لينزل عليه وهو في أهله فيتفرقون عنه، وإن كان لينزل عليه وإني لمعه في لحافه. وإني لابنة خليفته وصديقه. ولقد نزل عذري من السماء. ولقد خلقت طيبة وعند طيب. ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما".
قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/56): أصله في الصحيح، وإسناده على شرط مسلم. وجَوَّد إسناده الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/191)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 244): رواه أبو يعلى، وفي الصحيح وغيره بعضه، وفي إسناد أبي يعلى من لم أعرفهم.
[7] رواه أحمد (276/1) (2496)، وأبو يعلى (5/ 57) (2648)، وابن حبان (16/41) (7108)، والطبراني (10/ 321) (10783). وصحح إسناده أحمد شاكر في "تحقيق مسند أحمد" (4/169)، وقال الألباني في "صحيح موارد الظمآن" (1893): صحيح لغيره.
[8] انظر الهامش (3)
[9] المستدرك (4/5).
[10] فتح الباري (7/107).
[11] سير أعلام النبلاء للذهبي (2/168).
[12] سير أعلام النبلاء للذهبي (2/167).
[13] المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن القيم (ص: 60-61).
[14] رواه النسائي في "السنن الكبرى" (5/307) (8951)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1/268) (292). من حديث عائشة رضي الله عنها. وصححه ابن القطان في "أحكام النظر " (360)، وصحح إسناده ابن حجر في "فتح الباري" (2/515)، والعيني في "عمدة القاري" (6/391)، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (7/818).
[15] فتح الباري لابن حجر (2/444)، وقال المزي رحمه الله: "كل حديث فيه (يا حميراء) فهو موضوع إلَّا حديثًا عند النسائي". انظر: "الإجابة" للزركشي (ص: 58).
[16] فرطان: أي: ولدان لم يبلغا أوان الحلم بل ماتا قبله، يقال: فرط إذا تقدم وسبق فهو فارط. والفرط هنا الولد الذي مات قبله، فإنه يتقدم يهيئ لوالديه نزلًا ومنزلًا في الجنة، كما يتقدم فراط القافلة إلى المنازل، فيعدون لهم ما يحتاجون إليه من الماء والمرعي وغيرهما.
انظر: "مرعاة المفاتيح" للمباركفوري (5/ 476).
[17] رواه الترمذي (1062)، وأحمد (1/ 334) (3098)، وأبو يعلى (5/138) (2752)، والطبراني (12/197) (12880)، والبيهقي (4/ 68) (7398). ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5801)، وصحح إسناده أحمد شاكر في "تحقيق مسند أحمد" (5/39).
[18] رواه البخاري (6201)، ومسلم (2447). من حديث عائشة رضي الله عنها.
[19] الإصابة لابن حجر (8/253).
[20] رواه الترمذي (3175)، وابن ماجه (3403)، وأحمد (6/205) (25746)، والبيهقي في شعب الإيران (1/477) (762). من حديث عائشة رضي الله عنها. وصححه ابن العربي في عارضة الأحوذي (6/258)، والألباني في صحيح سنن الترمذي.
[21] ديوان حسان بن ثابت (ص: 191).
[22] ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/176) وحسنه.
[23] رواه مسلم (132). من حديث جندب رضي الله عنه.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- من هو المقوقس؟ وما معنى تلك الكلمة؟
- لماذا قال الإمام مسلم «دعني حتى أقبل رجليك»؟
- صور تاريخية نادرة لمسجد عمرو بن العاص
- ما هي الروضة الشريفة ؟
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
التعليقات
إرسال تعليقك