ملخص المقال
للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في القرآن والسُّنَّة أسماء كثيرة، ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم نبي التوبة، فكيف صار النبي صلى الله عليه وسلم نبي التوبة بحق؟
للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في القرآن والسُّنَّة أسماء كثيرة، اختصَّه الله بها دون غيره، وأسماءه صلى الله عليه وسلم الله تعالى هو الذي أوحى إليه بها، أو ذكرها سبحانه وتعالى في الكتب السماويَّة. ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: نبيُّ التوبة: وهو الاسم التالي في الشهرة لأسماء محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والخاتم والمقفي.
منذ عهد آدم عليه السلام كانت التوبة من المعصية كلماتٌ يقولها العبد بإخلاصٍ لله تعالى فيقبل الله منه، ويغفر له. قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 37]، وعندما أسرف الناس على أنفسهم في المعاصي، ووصل الأمر إلى الكفر بالله تعالى شدَّد الله عليهم، حتى جعل التوبة في بني إسرائيل تصل إلى قتل النفس أحيانًا! قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: 54].
كان هذا ابتلاءً شديدًا، كما كان مدعاةً لمخالفة الكثيرين منهم للأمر. قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 66]. لهذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، بفضلٍ من الله ورحمة، بالتوبة الميسَّرة؛ إذ عاد الأمر إلى ما كان عليه من التوبة إلى الله باللسان، مع الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه، وهذه أمورٌ يفعلها العبد بينه وبين الله تعالى، وليس عليه أن يفضح نفسه مع رجال الدين كما يفعل أهل الأديان الأخرى، وفي هذا تيسيرٌ كبيرٌ على الناس. -أيضًا- جاءت الشريعة الإسلاميَّة بفيضٍ عظيمٍ من الآيات والأحاديث التي تحثُّ المسلمين على التوبة، وتبشِّرهم بسهولة قبول الله تعالى لتوبة المذنب مهما كان فعله.
من أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [التحريم: 8].
وفي السُّنَّة النبوية مثل ذلك من تيسير التوبة، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اللهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ، سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلاَةٍ»[1]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»[2]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ»[3].
بهذه الأمور الميسَّرة وأشباهها صار النبيُّ صلى الله عليه وسلم نبيَّ التوبة بحقٍّ[4].
[1] البخاري: كتاب الدعوات، باب التوبة (5950) واللفظ له، ومسلم: كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها (2747).
[2] مسلم: كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة (2749)، وأحمد (8068).
[3] عند البخاري: أبواب التهجد، باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل (1094)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب فِي الدعاء والذكر فِي آخر الليل والإجابة فيه (758)، واللفظ له.
[4] انظر: د. راغب السرجاني: من هو محمد، دار التقوى للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1442= 2021م، ص72، 73.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- قصة المـَثَل العربي الشهير .. «سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ»
- خريطة بأسماء وأماكن مدن الأندلس القديمة
- لماذا أحب العلماء الوقف الإسلامي؟
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
التعليقات
إرسال تعليقك