ملخص المقال

ميلاد أمة.. الفيلم الأكثر عنصرية في تاريخ السينما الأمريكية BBC في شهر فبراير من عام 1915، عرض فيلم "ميلاد أمة" للمخرج الأمريكي دي دبليو غريفيث. وبعد مرور قرن كامل، لا يزال الفيلم علامة فارقة في تاريخ السينما، ويعد من أكثر الأفلام عنصرية. بعد قرن من إنتاجه، لا يزال فيلم "ميلاد أمة" يثير الاستهجان والسخط إذ يعتبر الفيلم خليطاً من الإبداع والأفكار البغيضة. وقد كان الفيلم رائداً في استخدام التقنيات الجديدة في تاريخ السينما، لكنه لا يزال يوسم بالعنصرية الصارخة. وكان الفيلم من إبداع دي دبليو غريفيث الذي مارس التمثيل إلى جانب الكتابة للمسرح، لكن عبقريته الحقيقية كمنت في إخراج ذلك الفيلم الذي لم يسبق أن ظهر مثله على هذا المستوى من قبل. والفيلم عبارة عن قصة العلاقة بين عائلتين أمريكيتين، إحداهما مؤيدة لفكرة اتحاد البلاد بشكل كامل، والأخرى مؤيدة لفكرة الاتحاد الكونفيدرالي (أو اللامركزي)، إبان الحرب الأهلية وما تبعها من إعادة بناء الدولة. جاء الفيلم في ثلاث ساعات، وشارك فيه حسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز وقتها 18.000 شخص، 3.000 حصان. وبحلول عام 1922، كان قد شاهده أكثر من خمسة ملايين شخص، وكان ذلك الإقبال هو الأكبر من نوعه في تاريخ السينما. "كان نجاحاً باهرا في شباك التذاكر، وكان الفيلم ذا شعبية كبيرة،" هكذا وصفه البروفيسور ألان رايس، من جامعة لانكشير، الذي أشرف على عدة ندوات حول الفيلم. وترك الفيلم بصمة تاريخية كأول فيلم في التاريخ يعرض في البيت الأبيض. لكنه كان فيلماً ثورياً لسبب آخر، كما يقول رايس: "كان في غاية الأهمية لأنه أول فيلم طويل يستخدم كثيراً من التقنيات الجديدة في صناعة السينما" فقد استخدم الفيلم التصوير الليلي، واللقطات البانورامية الطويلة، والمونتاج، وكلها عوامل جاءت على مستوى راق جداً، كما اشتملت مشاهد الحرب على إضافات كثيرة ومتنوعة. واقتبست كثير من مشاهد الحرب القديمة في السينما الحديثة من فيلم "القلب الشجاع" إلى فيلم "سيد الخواتم" ونسجت مشاهدها على منوال سياق المعارك في فيلم "ميلاد أمة". لكن مع كل الروعة التي يحملها الفيلم، لا تزال العنصرية التي تفيض بها الشاشة هي موضع تقييم لا مفر منه. تقول ايلين سكوت، مؤلفة كتاب "الحقوق المدنية في السينما" الذي صدر حديثاً: "الفيلم هو أحد أكثر الأفلام التي أنتجت عنصرية، بل أكثرها عنصرية على الإطلاق.هذا الفيلم في الواقع يصور الإعدام خارج القانون كأمر إيجابي. كما يشير المضمون السياسي للفيلم إلى أن بعض السود يستحقون الإعدام. وبهذا يكون الفيلم مغرقاً في العنصرية." ويعتقد بروفيسور رايس أن مواصفات الرجل الأسود الذي قتل مثيرة للقلق، ويقول في هذا السياق: "الأسود الذي يغتصب النساء، هو الصورة النمطية للرجل الأسود الذي يتعقب النساء البيض. وهو ما كان يعزز تفشي الخوف من امتزاج الأجناس أو اختلاط السود بالبيض" ومهما كان الدور الذي لعبه دي دبليو غريفيث في تقديم فيلم عنصري إلى الشاشة، يمكن تتبع جذور التعصب الأعمى في المصادر التي اعتمد عليها، وهو نص عنصري يطلق عليه اسم "رجل العشيرة" والذي كتبه ثوماس ديكسون. يرى ماكيوان أن القصة الكامنة وراء الفيلم معيبة جداً، ويضيف: "الفيلم يقول إن إعطاء السود حقوقاً كان خطأ فظيعاً، وإنهم فعلوا كل الأشياء السيئة التي لم يقترفوها في الواقع، وأن حركة كو كلوكس كلان كانت بمثابة النبيل الذي أنقذ أميركا، لا يمكن أن يكون هناك خطأ أفظع من هذا." ويعود للفيلم الفضل في إحياء حركة "كو كلوكس كلان" (وتعرف اختصارا باسم كيه كيه كيه) العنصرية التي تبنت الفيلم كأداة لتجنيد الأعضاء. ويقول بول ماكيوان "بحلول عام 1915 كانت حركة كيه كيه كيه بحكم المنظمة الميتة، ولكن عندما ظهر الفيلم خلال العشرينيات أصبحت الحركة منظمة ضخمة في ذروة حمى العودة إلى الأصول التي شهدتها الولايات المتحدة." وذكر رايس ان الفيلم "دشن استعمال أنواع معينة من النمطية العنصرية التي تكررت وقتها مرة بعد مرة، وصولاً إلى فترة الستينيات وما بعدها." ويضرب مثلا لذلك عندما يظهر الفيلم في لحظة من اللحظات المشرعين السود في كارولينا الجنوبية كمتوحشين يأكلون الدجاج المقلي والموز وهم يحملقون في النساء البيض الجالسات في القاعة. لكن عنصرية الفيلم زادت لأن النقاد والمؤرخين اعتبروا الفيلم إبداعاً مميزاً في تاريخ السينما لاستخدامه التقنيات السينمائية. فن يقوم على الوحشية؟ لكن وجهة النظر السائدة هي أن عنصرية الفيلم لا تقلل من براعته الفنية. ويقول وايت: "يوجد عدة أعمال فنية تحتوي على عناصر لا يقبلها الناس. لكن هذه العناصر لا تغير بالضرورة في القيمة الجمالية لهذه الأعمال، ولا تغير بالضرورة التخيل والذكاء الكامن فيها، المفارقات العنصرية في فيلم ميلاد أمة ينبغي أن نتعايش معها، لكننا نخدع أنفسنا إذا أنكرنا عظمة وروعة الفيلم." ليس فيلم ميلاد أمة وحده في ذلك الشأن، فهناك أفلام اعتبرت أعمالاً فنية لكن محتواها مؤلم، مثل فيلم "انتصار الإرادة" لمخرجه الألماني ليني ريفينستال. صور الفيلم بطريقة رائعة، مستخدما طرقا جديدة في تاريخ السينما في التصوير السينمائي والموسيقى، لكنه كان دعاية نازية كبيرة. وقد أثار جدلاً كبيراً تماماً كما هو الأمر مع فيلم ميلاد أمة. ويقول ماكيوان: "لا أحد ينكر أن فيلم انتصار الإرادة كان مميزاً من الناحية الفنية، وهذا في الواقع ما جعله خطيراً. لو كان ضعيفاً من الناحية الفنية، لما حظي بهذا الاهتمام." وعلى مدى السنوات الماضية، بذلت جهود لحظر فيلم ميلاد أمة ولكنها باءت بالفشل. مضى على فيلم ميلاد أمة قرن من الزمان، وسيبقى فيلماً حاضراً في الذاكرة، فهو جزء من تاريخ السينما والإرث الثقافي لأميركا. وفي ذكراه المئوية، يذكرنا بشكل مقلق بكيفية نشأة وتكوين أمريكا. إنه يظهر مولد أمة في أرض كانت تنتشر فيها العنصرية. لكن الأشد إثارة للقلق هو أنه بعد 100 عام لا تزال العنصرية التي صورها غريفيث في فيلمه- وإن كانت ليست بالفظاعة التي كانت عليها في الماضي- تمارس بشكل ملحوظ.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- قصة المـَثَل العربي الشهير .. «سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ»
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
- ألقاب أم المؤمنين عائشة
- لماذا قال الإمام مسلم «دعني حتى أقبل رجليك»؟
- كم مرة أشار فيها القرآن لأرض الشام؟
التعليقات
إرسال تعليقك