ملخص المقال
حادث شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم هو أمرٌ ثابتٌ جدًّا في السيرة النبوية، وقد حدث أكثر من مرَّة، وقد ثبت في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن
حادث شقِّ صدر النبي هو أمرٌ ثابتٌ جدًّا وقد حدث أكثر من مرَّة، وأولهم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد شُقَّ صدره وهو غلام، وأخرج قلبه واستُخرجت علقةٌ من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: هذا حظُّ الشيطان منك، ثم غسل قلبه في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لَأَمَ صدر النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وكان أنس بن مالك يرى أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم.
وبعض من لا يؤمن بالغيبيَّات ومن لا يؤمن بقدرة الله عز وجل يُنكر هذه القصَّة أصلًا معتقدًا أنَّ الله غير قادرٍ على ذلك، ويدَّعي أنَّه كان بإمكان الله عزَّ وجلَّ أن يستخرج من قلبه حظَّ الشيطان دون عمليَّةٍ جراحيَّة، وقد ثبت هذا الحادث في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان.
وكلُّ ذلك كان نوع من الإعداد والتهيئة والتربية لرسول الله صلى الله عليه وسلم للاستعداد لنزول الوحي.
وكان ذلك -أيضًا- إعداد وتهيئة لأهل مكة ولجزيرة العرب؛ ليستقبلوا هذا الرسول، فشاع في مكة وفي جزيرة العرب حادث شق صدره صلى الله عليه وسلم؛ ليعلموا أن هذا الإنسان وضعه مختلف عمن سبقوه، وأن هذا الرجل له وضع خاص.
وهناك المرة الثانية ولكن في رؤيا رآها النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، ولقد تكرر مرَّةً ثالثةً وذلك عند رحلة الإسراء؛ فقد روى البخاري: أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم حدَّثهم عن ليلةِ أُسْرِيَ به: "بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ [1]، -وربَّما قال: في الحجر [2]، (شَكٌّ من قتادة، والمراد بالحطيم هنا الحجر)- مضطجعًا، إذ أتاني آت، فقد قال: وسمعته يقول: فشق ما بين هذه إلى هذه. فقلت (أي قتادة) للجارود -وهو أحد أصحاب أنس رضي الله عنه- وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته [3]، -وسمعته يقول: من قصه إلى شعرته- فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءةً إيمانًا، فغسل قلبي، ثم حشي ثم أُعيد.."[4].
وفي رواية للبخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان أبو ذر رضي الله عنه يُحَدِّث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ.."[5].
ولقد كانت العمليَّة حقيقيَّة ومادِّيَّة إلى درجة أنَّ إغلاق الصدر احتاج إلى خيوط جراحيَّة خاطها جبريل عليه السلام! وكان أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: "وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ"!
وإذا كنا نتعجَّب من الحدث؛ فإن عجبنا يزول حتمًا إذا أدركنا قدرة الله تعالى؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: 44]؛ بل إنَّني صرت على قناعةٍ أنَّ الإيمان والحكمة أشياء مادِّيَّة يُمكن أن "تُحشَى"، أو أن "تُفَرَّغ" في القلب! ولنراجع اللفظ النبوي العجيب: "ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي". فهما أمران يُحملان في طست، ويُفرغان في الصدر؛ بل إنَّه في رواية الرؤيا التي حكاها أنس بن مالك رضي الله عنه فصَّل في الشرح، فقال: "فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ..". فهو لم يكتفِ بحشو الصدر أو القلب؛ إنَّما أضاف لذلك حشو عروق الحلق! وهناك مؤيِّدات كثيرة في القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة لهذا المعنى؛ ولكن المجال لا يتسع هنا لهذا التفصيل.
وقد اختلف العلماء في عدد مرات شق صدر النبي، وقد ذهب بعضهم أنهم مرتين فقط، وذهب آخرين أنه أربع مرات وغيرهم بأنه خمس..
للمزيد: طالع مقال «بداية نزول الوحي وشق صد النبي».
[1] الحطيم: انحطم الناس عليه تزاحموا، ومنه حديث سودة أنَّها استأذنت أن تدفع من منى قبل حطمة الناس؛ أي: قبل أن يزدحموا ويحطم بعضهم بعضًا. وفي حديث توبة كعب بن مالك: "إِذَنْ يَحْطِمُكُمُ النَّاسُ". أي يدوسونكم ويزدحمون عليكم، ومنه سمي حطيم مكة؛ وهو ما بين الركن والباب، وقيل: هو الحجر المخرج منها؛ سمي به لأن البيت رُفع وتُرك هو محطومًا، وقيل: لأن العرب كانت تطرح فيه ما طافت به من الثياب؛ فبقي حتى حُطِمَ بطول الزمان فيكون فعيلًا بمعنى فاعل. ابن منظور: لسان العرب، 12/137.
[2] الحِجْر: حِجْر الكعبة، قال الأزهري: الحجر حطيم مكة؛ كأنَّه حجرة ممَّا يلي المثعب (أنبوبة من الحديد ونحوه تركب في جانب البيت من أعلاه لينصرف منها ماء المطر المتجمع، والمقصود ميزاب الكعبة) من البيت (أي البيت الحرام). وقال الجوهري: الحجر حجر الكعبة، وهو ما حواه الحطيم المدار بالبيت جانب الشمال، وكل ما حجرته من حائط فهو حجر، وفي الحديث ذِكْر الحجر في غير موضع، وقال ابن الأثير: هو اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربي. وابن منظور: لسان العرب، 4/165. والحِجْر هو الحَجْر: وهو الناحية. والحِجر من الإنسان: حِضنه، ويُقال: هو في حَجْره وحِجره: في كنفهِ وحِمايته. المعجم الوسيط 1/157.
[3] قال ابن حجر: شِعْرَته؛ أي: شعر العانة، وفي رواية مسلم إلى أسفل بطنه، وفي بدء الخلق من النحر إلى مَرَاقِّ بطنه. ابن حجر: فتح الباري 7/204، ومَرَاقُّ البطن: هو ما سَفَلَ من البطن ورقَّ من جلده. انظر: فتح الباري 6/308.
[4] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب المعراج، (3674).
[5] البخاري: كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، (342).
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- بالصور | أغرب 9 اكتشافات أثرية في تاريخ البشرية
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- حقيقة عيسى العوام وأكذوبة فيلم صلاح الدين
- ألقاب أم المؤمنين عائشة
- قصة ساعة هارون الرشيد التي أثارت الجدل في مونديال قطر
التعليقات
إرسال تعليقك