ملخص المقال
تعرف على أسوأ طقوس دفن الموتى .. القصة التي يرويها الرحالة ابن فضلان في رحلته إلى روسيا..
كانت رحلة العالم الرحالة ابن فضلان إلى بلاد روسيا، أثناء بعثته الرسمية من الخليفة العباسي إلى ملك بلاد البلغار "الصقالبة"، ومن بعدها أكمل رحلته إلى روسيا، وكانت في أواسط القرن العاشر الميلادي، أي قبل عهد الملك فلاديمير، وكان الروس آنئذٍ لم يعتنقوا المسيحية بعد.
وقد عرض ابن فضلان لمشاهد عديدة شاهدها بنفسه في بلاد الروس ودوَّنها في كتابه "رسالة ابن فضلان".
«طقس الدفن» .. ابن فضلان شاهد عيان
عندما وصل ابن فضلان إلى روسيا سمع أنَّ الروس يفعلون بملوكهم عند الموت أمورًا غريبة بما فيها الحرق، فأراد أن يكون شاهدًا على وقائع دفن أحد الموتى من كبارهم، ودوَّن لنا تلك المشاهد بكل تفاصيلها في صفحات مطولة في رحلته، فامتزج في وصفه مشاعر الاستغراب والتعاطف والأسى.
فكان من عاداتهم أن يضعوا الرجل الفقير الميت في سفينة صغيرة ويحرقونها، أمَّا الغني فيُقسِّمون ثروته ثلاثة؛ ثلثها لأهله، وثلثها يخيطون له بها ثيابًا، وثلثٌ للنبيذ الذي يشربونه يوم تَقْتُل جاريته نفسها وتموت مع مولاها.
فأراد ابن فضلان أن يقف على إحدى تلك الحالات، فلمَّا مات رجلٌ جليلٌ وضعوه في قبره حتى يُخيطون له ثيابه، وسألوا جواريه: من يموت معه؟ فتقدَّمت إحداهن، فوكَّلوا لها جاريتين لتهيئانها لهذا الحدث الجليل؛ ويقضون هذه الفترة بشرب النبيذ ليلًا ونهارًا، وربَّما مات الواحد منهم والقدح بين يديه.
وقد حضر ابن فضلان إلى النهر حيث السفينة التي يتم فيها الحرق، فجاءوا بسرير فوضعوه على السفينة وملأوه بالمساند والفرش المزخرف (الديباج الرومي)، وتولَّت امرأة عجوز تُسمَّى "ملك الموت" أمر فرش السرير، وأحضروا الميت من القبر إلى السفينة، وألبسوه ثيابه الجديدة، وأدخلوه القبة التي في السفينة، وأجلسوه على المساند وبجانبه النبيذ والفواكه والريحان، وخبز ولحم وبصل وضعوه بين يديه، وبسلاحه، وبدابَّتين وبقرتين وديكًا ودجاجة قطعوها وألقوا بلحمها على السفينة.
والجارية التي ضحت بالموت معه تذهب وتجيء وتنتقل من قبَّةٍ إلى قبَّة؛ حيث يُضاجعها الرجال ويقولون لها: "قولي لمولاك إنَّما فعلت هذا من محبتك"!
ويكمل ابن فضلان في سرد التفاصيل فيقول: «فيأتون بالجارية ويحملونها على أكفِّهم حتى تُشرف على باب السفينة ثلاث مرَّات، فتقول في المرَّة الأولى: "هو ذا أبي وأمي"، وفي الثانية: "أرى جميع قرابتي الموتى قعودًا"، وفي الثالثة: "هو ذا أرى سيدي قاعدًا في الجنة"».
وهو إشارة إلى تساميها على رماد الحياة إلى الخلود والحضور في جنَّة الخلود حيث تلتقي بسيِّدها، فمرُّوا بها إلى السفينة، ثم يأتي دور المرأة العجوز التي تلعب -حسب وصف ابن فضلان- دور العراف والشامان المقدَّس، والتي تُسمَّى "ملك الموت" والمكلَّفة بقتل الجارية، فتدفعها إلى السفينة، وتدفع إليها قدحًا من النبيذ، فتُغنِّي وتشربه، بعدها تُدْخِلها إلى القبة التي فيها سيِّدها، وهناك يدخل ستَّة رجال، فيُجامعوا الجارية ويضجعونها إلى جانب مولاها.
وتجعل العجوز في عنق الجارية حبلًا تدفعه إلى اثنين من الرجال ليجذباه، ثم تُقْبِل ومعها خنجر فتُدْخِله في أضلاعها حتى تموت، والرجال في الخارج يضربون على التراس ليُحدثوا ضجيجًا يمنع سماع صوتها، ثم ينتهي المشهد المذهل والمروع بإشعال السفينة من قبل أقرب الناس إلى الميت.
ثم يُبادر الجميع بإلقاء الخشب المـَحرَق، فتأخذ النار في الحطب ثم السفينة ثم القبة والرجل والجارية وجميع ما فيها.
ثم بنوا على موضع السفينة، ونصبوا في وسط البناء خشبةً كبيرة، كتبوا عليها اسم الرجل واسم ملك الروس وانصرفوا.
وبالطبع كان حاضرًا في وجدان ابن فضلان أثناء وصفه للمشهد الفرق الشاسع في القيم والمرجعيات بين المسلمين والروس، فتذكَّر وقتها ما جرى من حوار بينه وبين أحد الروس، عن طريق المترجم، وهم ينظرون إلى السفينة وهي تحترق؛ إذ قال له الروسي: "أنتم يا معشر العرب حمقى"، فقال ابن فضلان: لِمَ ذلك؟ قال الروسي: "إنَّكم تعمدون إلى أحبِّ الناس إليكم وأكرمهم عليكم فتطرحونه في التراب، وتأكله التراب والهوام والدود، ونحن نحرقه بالنار في لحظةٍ فيدخل الجنة من وقته وساعته"، وضحك ذاك الروسي ضحكًا مفرطًا، فسأله ابن فضلان عن السبب، فقال: "من محبَّة ربِّه له (يقصد الميت) قد بعث الريح حتى تأخذه في ساعته".
ولكنَّ هذا الحوار بالتأكيد لم يُقرِّب أسس الفهم بينهما، لذا كان الروسي مبتهجًا لحدوث التعالي أمامه، بينما كان ابن فضلان كدرًا مهتزًّا في أعماقه لمشهدٍ بدا له مروِّعًا وأليمًا! الأوَّل رأى في الحدث جسرًا للعبور إلى الأبدي، والثاني رأى فيه حدثًا تمتزج فيه القوَّة واللامعقول بالألم.
للمزيد يُمكنك الاطلاع على مقال: «صورة روسيا من خلال رحلة ابن فضلان» على موقع قصة الإسلام.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- خريطة بأسماء وأماكن مدن الأندلس القديمة
- قصة الإمام مالك مع أبي جعفر المنصور
- توسعات المسجد النبوي عبر التاريخ
- كيف سرق الأوربيون اكتشاف ابن النفيس
- أين مكان عرش إبليس؟
التعليقات
إرسال تعليقك