ملخص المقال
حلقة جديدة من سلسلة اعرف نبيك على موقع قصة الإسلام لايت نتعرف فيها على أهم مواقف النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة.
أولًا: حلف الفضول أو (حلف المطيبين)
بدأت قصة حلف الفضول عندما استغاث رجلٌ من قبيلة زبيد بأهل مكة؛ عندما ظلمه العاص بن وائل السهمي واحتال عليه وأخذ منه بضاعة دون أن يُعطيه ثمنها، وكان العاص ذا منعة وقوة، فوقف الرجل على جبل أبي قبيس وأخذ يصرخ ويقول:
يَا آلَ فِهْرٍ لِمَظْلومٍ بِضَاعَتَهُ ... بِبَطْنِ مَكَّةَ نَاءِ الدَّارِ وَالنَّفَرِ
وَمُحْرِمٌ أَشْعَثٌ لَمْ يَقْضِ عُمْرَتَهُ ... يَا لَلرِّجَالِ وَبَيْنَ الحِجْرِ وَالحَجَرِ
إِنَّ الْحَرَامَ لِمَنْ تَمَّتْ مَكَارِمُهُ ... وَلَا حَرَامَ لِثَوْبِ الْفَاجِرِ الْغَدِرِ
فقام الزبير بن عبد المطلب، عمُّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ما لهذا مترك! أي لا يصح أن نترك هذا الرجل المظلوم من غير أن نُقدِّم له يد العون.
فاجتمع كبار قريش من بني هاشم وبني زُهرة وبني تيِّم في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعامًا، فتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام قيامًا، فتعاقدوا وتعاهدوا ليكوننَّ يدًا واحدةً مع المظلوم على الظالم حتى يُؤدِّي إليه حقَّه، ما بَلَّ بَحْرٌ صُوفَة وما رسا حراء وثبير مكانهما، فسمَّت قريش ذلك الحلف حلف الفضول[1].
ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل السهمي ونَهَرُوه وأخذوا منه بضاعة الزبيدي وردُّوها له، وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحدث الاجتماعي الذي يُعدُّ من أرقى صور التعاون على المعروف ونُصرة المظلوم، وبهذه المبادئ الراقية جاءت رسالة الإسلام بعد ذلك..
ولذا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حُمْر النَّعم، ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت»[2].
وهذا يدلنا على أنَّ المسلم عليه أن يُبادر ويُشارك في كلِّ عملٍ من شأنه المحافظة على القيم الإنسانية المجرَّدة، حتى لو كانت هذه الدعوة موجَّهة ممَّن نختلف معهم؛ لأنَّ شأن المسلم البحث عن القواسم المشتركة والقيم الكلِّيَّة.
ثانيًا: إعادة بناء الكعبة
لقد أُعيد بناء الكعبة أربع مرات؛ الأولى: عندما أقام قواعدها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، والثانية: هي تلك التي قامت بها قريش وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثالثة: كانت على يد عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وكان قد أدخل فيها الحِجْر ورفعها وجعل لها بابًا للدخول وآخر للخروج، والرابعة: كانت على يد عبد الملك بن مروان وقد أعادها لما كانت عليه أيَّام قريش.
وكان سبب بناء قريش للكعبة أنها تهدَّم جزء منها بسبب السيل، فأرادت قريش أن تعيد بناءها وترفع بنيانها وتصنع لها سقفًا حتى لا تتهدم ثانية، فاجتمعوا واتفقوا على ذلك، واتفقوا -أيضًا- على أن لا يدخل في بنائها إلَّا الأموال الطيِّبة، فلا يدخل فيها مهر بغي، ولا حُلوان كاهن، ولا مالٌ حصل عليه صاحبه بظلم.
وبدءوا العمل ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الخامسة والثلاثين من عمره إذ ذاك، وكان معهم يُشاركهم نقل الحجارة مع عمِّه العباس رضي الله عنه، وكانت كلُّ قبيلةٍ مسئولةٌ عن أحد جوانبها، ثم لما حان وقت نقل الحجر الأسود ووضعه في مكانه دَبَّ الشجار والخلاف بينهم؛ لأنَّ كلَّ قبيلةٍ تُريد أن تنال شرف وضع الحجر في مكانه، ثم اتَّفقت كلمتهم أن يُحَكِّموا بينهم أوَّل داخلٍ عليهم..
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول داخل، ففرحوا وطلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يفصل بينهم، فأجابهم وطلب منهم أن يُحضِروا رداءً ثم بَسَطَه وطلب من كلِّ قبيلةٍ أن تأخذ بطرفٍ منه، ثم وضع صلى الله عليه وسلم الحجر بيده الشريفة حتى نقلوه إلى مكانه، ووضعه صلى الله عليه وسلم فيه بيده الشريفة، وقد قَصُرت بقريش النفقة الحلال عن أن يتمُّوا البناء كلَّه كما كان، ولذا فقد بقي الجزء المسمَّى حِجْر إسماعيل خارج البناء، ولكنَّه من الكعبة.
ويظهر جليًّا من تلك الواقعة أنَّ رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم اتسم بذكاء وحكمة فاق بها أقرانه ومعاصريه على الرغم من صغر سنه، وكان صلى الله عليه وسلم محلَّ تقدير واحترام من قريش كلها، لما ارتضوه منه في الحكم بينهم، وأنه صلى الله عليه وسلم بحكمته كان سببًا في حقن دمائهم وجمع كلمتهم، وهذا ديدن المصلحون في كل زمان..
صلى الله على نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه الكرام إلى يوم الدين..
[1] ابن هشام: السيرة النبوية، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، 1/257-259.
[2] المصدر السابق، والبيهقي: السنن الكبرى، 6/596.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- أبشع قوانين عنصرية في تاريخ أميركا
- أمهات عظيمات أنجبن عظماء في التاريخ الإسلامي
- قصة هبل أول صنم قدّسه العرب قبل الإسلام
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
- لماذا بكى موسى عندما رأي النبي في الإسراء والمعراج؟
التعليقات
إرسال تعليقك