ملخص المقال
تعرف على أروع مواقف الرحمة في السيرة النبوية العطرة، في موقف بين رسول الله ومسيلمة الكذاب..
إنَّ للرسول صلى الله عليه وسلم الكثير والكثير من مواقف العدل والرحمة التي قد لا يتوقع إنسان خاصة لو كان غير مسلم أن يكون هناك بشرٌ يتَّصف بتلك الأخلاق، ولكن لم التعجب وهو من قال ربُّ العِزَّة فيه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
ومن أروع تلك المواقف ما كان منه صلى الله عليه وسلم مع مسيلمة الحنفي، وهو الذي عُرِفَ بعد ذلك بمسيلمة الكذاب.. عندما جاء مع وفد بني حنيفة إلى المدينة المنورة في العام التاسع من الهجرة..
فقد روى ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قَدِم مسيلمة الكذَّاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: "إنْ جعل لي محمَّدٌ الأمرَ من بعده تبعته". وقدمها في بشرٍ كثيرٍ من قومه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال:
«لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ، وَإنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتَ فِيكَ مَا رَأَيْتُ».
فأخبرني أبو هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ: أَنْ انْفُخهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا، فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي». فكان أحدهما العنسي، والاخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة.
وهذه -والله- قصَّةٌ عجيبةٌ!! فرسول الله صلى الله عليه وسلم يرى إنسانًا يرفض مبايعته على الإسلام إلَّا بشرط، وقد بايع قومه أجمعون، ثم إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد رأى رؤيا -ورؤيا الأنبياء حق- أنَّ هذا الرجل سيدَّعِي النبوَّة من بعده، وهو يعلم صلى الله عليه وسلم خطورة هذا الأمر، ومدى الفتنة التي من الممكن أن تحدث من جرَّاء انتشار دعوته، وذيوع صيته، وعلى الرغم من كلِّ هذه الأحداث الخَطِرة، وعلى الرغم من قوَّة الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين في ذلك الوقت، وضعف بني حنيفة والعرب بصفةٍ عامَّة.. على الرغم من كلِّ هذه الملابسات فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتَّخذ ضدَّه أيَّ إجراءٍ عقابيٍّ أو ردعيٍّ، ولم يُقيِّد حريَّته، ولم يحدِّ من حركته..
وقد كان ذلك لأنَّه صلى الله عليه وسلم لا يُريد أن يُصدِرَ عليه حكمًا نتيجة رؤيا أو وحي؛ ولأنَّ مسيلمة لا يُؤمن بالوحي أصلًا، وهو ما زال على شركه، ومِنْ ثَمَّ لا يصدر ضدَّه حكمٌ إلَّا ببيِّنةٍ مادِّيَّة، ودليلٍ يراه مسيلمة يُثبت أنَّ هذا سيحدث في المستقبل.. ولأنَّ هذا الدليل غير موجود بهذه الصِّفَة؛ فقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مسيلمة سالمًا، مع علمه ويقينه بالفتنة التي ستحدث بعد ذلك.
إنَّه العدل في أرقى صوره، بل إنَّه لا مجال للمقارنة بينه وبين صور العدل الأخرى الموجودة على سطح الأرض.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- هل لك خبيئة صالحة؟!
- قصة آل عمران .. العائلة التي كرَّمها الله في القرآن الكريم
- مليون جنيه لمواجهة فيضان النيل عام 1946
- كم مرة أشار فيها القرآن لأرض الشام؟
- إنفوجرافيك | سلسلة مناسك الحج -3
التعليقات
إرسال تعليقك