ملخص المقال
صفات تفرد بها العرب قبل الإسلام عن سائر الأمم وأقرها الإسلام وجعلها أعلى مراتب الأخلاق
«إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ» المتأمل في ذلك الحديث النبوي الشريف يعرف جليًّا أن العرب لم يكونوا كما يحسب الكثيرون منَّا أنهم قساة غلاظ فاحشين ماجنين بخلاء أو بمعنى اكثر وضوحًا؛ كنموذج أبي جهل أو أبي لهب في رؤيتنا كمسلمين؛ إنما في الحقيقة ولمن يتتبع تاريخ العرب وسيرتهم ويغوص في أدبهم وآثارهم يجد أنهم كانوا افضل أمة من الأمم القديمة وقت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم -على ما كان فيهم قبيل البعثة من جاهلية- ويمكن للتعمق في ذلك مراجعة مقالات الدكتور راغب السرجاني عن العالم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أكثر صفاتهم المميزة هي نجدة الملهوف والشجاعة والعفة وغيرها الكثير، ولكننا نجد أن صفة الكرم تحتل المرتبة الأولى والأهم بين كل تلك الصفات، وهذا ما يبين المعنى المضمون في الحديث المذكور؛ فهو يؤكد أن مكارم الأخلاق مؤصلة فيهم ولكن لعوامل شتى تناقصت واحتاج الإسلام فقط لإكمالها وتزيينها بآداب الإسلام وشرائعه التي تضبط تلك الأخلاق والصفات.
لقد كانت العادات والتقاليد العربيَّة تقوم مقام القانون الذي يضبط حياة العرب الاجتماعية، وكان لهذه العادات سطوة على نفوس العرب قويَّة بحيث لا يستطيع أن يتخلَّى عنها أحد، كما اتَّصف العربي في الجاهلية بمجموعة من الصفات والأخلاق غاية في الرقي حتى ينتابنا شعور ونحن نُطالع كتب التاريخ والأدب أنَّ العربي في الجاهليَّة كان أكثر أخلاقًا من العربي في أيامنا الحاليَّة.
خصلة الكرم
كان العرب كما ذكرنا يمتازون بالعديد من الصفات، بيد أنَّ خصلة الكرم كانت تفوق جميع الخصال؛ ولذلك تاهوا عُجْبًا بهذه المكرمة، وافتخروا بها على الأمم. وقد بعثتها فيهم حياة الصحراء القاسية، وما فيها من جدب؛ حيث كان العرب يعيشون في بادية شحيحة بالزاد، وحياتهم ترحال وتجوال، وكل واحد منهم مُعرَّض لأن ينفد زاده، فهو يُكرم ضيفه اليوم لأنَّه قد يضطر إلى أن يُضيَّف عند غيره غدًا، فليس في البادية ملجأ يلجأ الفرد إليه غير الخيام المنتشرة هنا وهناك.
وأشهر كرماء العرب ثلاثة نفر: «حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي»، و«هرم بن سنان المـُرِّي»، و«كعب بن أمامة الإيادي»، ولكن ضُرب المثل بحاتم وحده، وذاعت شهرته حتى يومنا هذا؛ لذا يقال: حاتمي الجود، ويقال: أكرم من حاتم!
الضيافة ثلاثة أيام
والعربي يُكرِم ضيفه ثلاثة أيَّام، ينزل به فلا يسأله عن شيء حتى تمرَّ الأيام الثلاثة، فإذا انقضت سقط حقُّ الضيافة.
آداب استقبال الضيف
والعربي يُقدِّم لضيفه أفخر ما لديه من طعام، ويجد في ذلك مكرمة، ومن كرم العربي الشديد أنَّه كان لا يُحبُّ أن يأكل وحده، وها هو حاتم الطائي يطلب من غلامه أن يُوقِد نارًا تهدي الضِّيفانَ إلى بيته ويبحث له عن ضيفٍ يُشاركه إيَّاه:
أَوْقِدْ فَإِنَّ الَّلَيْلَ لَيْلُ قِرٍّ *** وَالرِّيحَ يَا غُلَامُ رِيحُ صِرٍّ
عَسَى يَرَى نَارَكَ مَنْ يَمُرُّ *** إِنْ جَلَبْتَ ضَيْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ
ولقد اقترن باستقبال الضيف عند العربي أن يُبْسِط الوجه لضيفه، ويرحب به، ويُضاحكه ساعة قدومه؛ حتى يأنس وينزل وهو مطمئن، ويقول في ذلك عمرو بن الأهتم:
وَضَاحَكْتُهُ مِنْ قَبْلِ عِرْفَانِي اسْمَهِ *** لِيَأْنَسَ، إِنِّي لِلْكَسِيرِ رَفِيقُ
ولقد قالوا قديمًا إنَّ من تمام الضيافة الطلاقة للضيف عند أوَّل وهلة؛ أي إظهار البِشر له، وإطالة الحديث معه عند تناول الطعام؛ حتى ينزع ما في نفسه من خجل، وقد بلغ من حرص العربي على مشاعر ضيفه أنَّه كان لا ينشغل عنه بالزوجة أو الولد، وفي ذلك يقول عروة بن الورد:
فراشي فراش الضيف والبيت بيته *** ولم يلهني عنه غزال مقنــــــــــع
أحدثه إن الحديث من القــــِــــــــــرى *** وتعلم نفسي أنه سوف يهجع
أزواد الركب
وقد كان بعض سادة العرب وأثريائهم يمنعون من يسافرون معهم أن يتزوَّدوا بماءٍ أو طعامٍ حتى أُطْلِق عليهم أزواد الركب؛ أي الذين يزوِّدون القافلة بالطعام أو الشراب وخلافه. ومن أشهر من أُطْلِق عليهم زاد الركب في الجاهليَّة ثلاثة؛ وهم: «مسافر بن أبي عمرو» من بني عبد شمس، و«أبو أمية بن المغيرة» من بني مخزوم، و«زمعة بن الأسود بن عبد المطلب» من بني هاشم.
ومن مظاهر كرم العربي العجيبة أن يترك شعلة ناره موقدة حتى يهتدي بها الناس في الصحراء؛ لإرشادهم إليهم بها واستضافتهم وإشعارهم بالأمن، وأنَّهم ليسوا وحدهم في تلك الصحراء الموحشة. وكان كلب العربي ينبح لهداية الناس وإخبار صاحبه بقدوم ضيفٍ تائهٍ في الليل. وقد عَرِف العربُ كرمَ الرجل بجُبنِ كلبه، الذي إذا رأى الغرباء كفَّ عن النباح.
والكرم كان وسيلةً من وسائل التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، الذي كان حينها قَبَليًّا، ومن وسائل التقارب بين الأنفس، والتضحية من أجل الآخرين. وقد لازم الكرم مجموعة من الصفات الأخرى؛ مثل: "نجدة المستغيث الضعيف ونصرته، ورعاية اليتامى والأرامل والبائسين والسائلين، وفك الأسرى ... إلخ".
وختامًا: هل وجدت عند جنسيَّةٍ من الجنسيَّات أو عند أمَّةٍ من الأمم مثل هذه المكرمة؟ وهل نقوم بمثل هذه الآداب عندما يحلُّ بنا ضيوف؟ هل فينا زاد الركب؟ هل فينا من يُطعم الفقير من جيرانه أو عابري السبيل؟ إن لم يكن فينا مثل هؤلاء؛ فالعرب في الجاهليَّة كانوا أكثر كرمًا منَّا، وهل يمتلك العربي اليوم صفةً من الصفات يفخر بها على غيره من الجنسيَّات الأخرى؟ الإجابة لك عزيزي القارئ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع للاستزادة:
- محمد الناصر، أخلاق العرب بين الجاهلية والإسلام: الشجاعة، العدد 24، لندن، 1990م.
- حمدي محمود منصور، آداب الضيافة في الشعر الجاهلي، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، مجلد 33، الأردن، 2006م.
المصدر: د. محمد عبد الله، موقع: إسلامي، (بتصرف).
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- أين مكان عرش إبليس؟
- الحاشر .. سلسلة أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم
- قصة المـَثَل العربي الشهير .. «سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ»
- معنى كلمة الديوان وأصلها
- أول ظهور للمنابر في الإسلام
التعليقات
إرسال تعليقك