ملخص المقال
تعرف على سر الجناح الغامض في قصر الحمراء..
اكتشف المؤرِّخ والدبلوماسي الأميركي واشنطن إيرفينغ -أثناء إقامته في قصر الحمراء في ثلاثينات القرن التاسع عشر- عدَّة أسرار لهذا القصر الأسطوري، منها سر الجناح الغامض التي يقول عنه:
«في إحدى قاعات القصر باب بعيد، لفت انتباهي التحف الفنِّيَّة التي تُحيط به من كلِّ جانب؛ فهو حتمًا وكما يبدو متَّصلٌ بمكانٍ ما في الحمراء لم أكتشفه بعد، لذلك حاولت فتحه فوجدته مقفولًا، وحين قرعت عليه لم يجب أحد، وبدا صدى قرعاتي ترددها قاعة خاوية.
فكيف لي أن أدخل هذا الجزء السري المغلق عن عيون الناس، الذي تراءى لي فيه سرُّ جناحٍ مسكون؟! فهل عليَّ أن أُحْضِر في المساء سيفي ومصباحي كما يفعل من تحكي عنهم القصص الرومانسية؟ أم أستدرج فلاح الحديقة الثرثار ليبوح لي بهذا السر؟ أم يجب أن أذهب إلى العمَّة أنطونيا وأطلب منها بصراحة لتُميط لي هذا اللثام؟ فطبعا اخترت هذا كأبسط الأفكار وأقلها رومانسيَّة. وحين رحَّبَت بفتح الباب وأعطتني المفتاح دُهشت!!
عدت إلى الباب والمفتاح بيدي، وفتحته لأجد أمامي غرفةً فارغة تختلف عن بقيَّة القصر؛ إذ على الرغم من غزارة الفنِّ المعماري فيها وقِدَمِه إلَّا أنَّه فنٌّ أوروبِّيٌّ ولا شيء عربيٌّ فيه، وقد تآكلت القاعتان الأولى والثانية، وكذلك سقفهما المبني من خشب الأرز المقطع بعدَّة أماكن، والمحفور عليه الزهور والفواكه المتداخلة برسومات تُشبه أقنعة الوجوه.
أمَّا الجدران التي كانت في الماضي مستورة بستائر "الدامسكو" فهي الآن عارية، وتزخر بالأسماء التي تركها عليها زوَّارها من السياح، بشكلٍ فوضوي.
والشبابيك مفتوحة ومتروكة للرياح لتلعب بها، وهي تطلُّ على حديقةٍ منعزلة، فيها نافورة ماء جارٍ تتدفَّق بِبِرْكَةٍ محاطةٍ بالزهور، وتُطَوِّقها أشجار الليمون والبرتقال التي تدخل بعض أغصانها من هذه النوافذ.
وخلف هذه القاعة، صالونان أطول منها وأقل تآكلًا، يُشرفان على الحديقة نفسها، زُيِّن سقف كلٍّ منهما بواسطة سلَّةٍ من الفواكه المنحوتة والزهور المحفورة بالسقف، والمدهونة بشكلٍ سيءٍّ لتُشكِّل منظرًا غير مستحب.
أمَّا الجدران فمدهونةٌ ومزخرفةٌ على الطراز الإيطالي، ويكاد دهانها أن يختفي كليَّةً، وشبابيك هذه القاعة على حال تآكل شبابيك سابقاتها نفسه.
وتنتهي هذه القاعة بمتحفٍ مفتوحٍ على درابزين يمتدُّ بزاويةٍ يُمنى على الجهة الأخرى من الحديقة، وقد أيقظ بي هذا الجناح الأنيق ككل، والمزخرف جدًّا، والمطل على حديقةٍ معزولة، والمختلف بفنِّ عمارته عن جاراته من الأجنحة الأخرى في القصر، أيقظ بي حبَّ استطلاع تاريخه.
وبعد تقصٍّ عرفت أنَّه من صنع فنَّانٍ إيطاليٍّ في بداية القرن الثامن عشر، أيَّام فيليب الخامس وزوجته الثانية أليزابيث الفرنسيَّة، التي كُرِّست هذه الشقَّة لها ولحاشيتها، عندما كان من المتوقَّع وصولها إلى الحمراء.
وخُصِّصت للمملكة أكثر غرف النوم راحة، والتي تصل إليها من داخل هذا الجناح بدَرَج، هو الآن مغلق، ويقود إلى غرفة سلطانٍ عربيٍّ متصلةٍ بشقَّة حريمه، التي أُعِيد تأثيثها كي تُصبح ملائمةً لنوم آليزابيث الشقراء، وعليها اسمٌ لا زال بارزًا وهو: «مكان زينة الملكة آليزابيث».
وأحد شبابيك هذه الشقَّة يُشرف على المنظر العام للقصر وخارجه، والآخر على الحديقة سالفة الذكر، ذات الطابع العربي الأصيل، وذات التاريخ الخاصِّ بها أيضًا؛ فقد كانت هذه الحديقة "حديقة ليندا̎ التي يُذكر اسمها كثيرًا على جداريَّات الحمراء، فمن «ليندا» هذه؟ وماذا كانت؟!
هذا لم يُوضِّحه لي أحد، لكنَّ بعض البحوث التي قمت بها مكَّنتني من أن أعرف بعض الأشياء عنها؛ فقد كانت غنيَّةً جميلةً معروفةً في عصر وقصر السلطان محمد العاشر، وهي ابنة تابعه المطيع "الآلسيد" سيد ملقا، الذي آوى السلطان في مدينته حين طُرِد من العرش، وعندما استعاد ملكه كافأه على إخلاصه؛ فكان لابنته جناحها الخاص في الحمراء.
وقد زوَّجها فيه إلى الأمير نصر، الشاب المنحدر من سلالة ابن هود العادل، واحتفل بزواجها في القصر الملكي في الحمراء حسب عادة تزويج الأسياد في القصر الملكي، حيث تُخصَّص لدخلتهم شقق خاصَّة. وهنا حتمًا احتُفِل بدخلتهما معًا في هذه الغرفة…
كلُّ هذا الوصف غير كافٍ ليُوضِّح الليالي القمريَّة التي قضيتها أتجوَّل في الشرفات والقاعات، والأبهاء في هذا الأثر الموحي الذي ملأ تخيُّلاتي وغذَّاها بحلاوةٍ رائعة، ومتَّعني بخليطٍ من المشاعر التي سرقت وجودي بذلك الجو الجنوني جاعلةً من المساء صباحًا قبل أن أخلد إلى النوم في كلِّ ليلة، يُهدهد لي فيها خرير ماء بركة "ليندا" كل استغراقٍ حالم.
المصدر: واشنطن إيرفينغ: الحمراء، بتصرف، ترجمة: د. عبد الكريم ناصيف، ود. هاني يحيى نصري.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- شكل سيدنا موسى عليه السلام كما رآه النبي في الإسراء والمعراج
- ابن سندر.. وصية رسول الله
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- معركة القادسية وانتصار المسلمين على الفرس
- أشهر 10 معلومات عن «فينيسا الشرق» .. أول مدينة بناها المسلمون
- صور ربما لم ترها من قبل لأبي الهول و الأهرامات
- قصة ميلاد عيسى ابن مريم عليه السلام
- تاريخ الوطن العربي خلال 14 قرنا
- شكل سيدنا موسى عليه السلام كما رآه النبي في الإسراء والمعراج
- قصة نهاية آخر خليفة عباسي
- اعرف نبيك .. 7 كتب لا غنى عنها في السيرة النبوية
- قصة آل عمران .. العائلة التي كرَّمها الله في القرآن الكريم
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- نص خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة
- أول معركة في التاريخ بين سفينتين بخاريتين .. المصرية «براوز بحري» والروسية «فلادمير»
التعليقات
إرسال تعليقك