ملخص المقال
من المؤكد أن لكل شعوب العالم عادات وتقاليد، والغريب أنها كلها مختلفة بل يستحيل أن تجد قبيلتين أو شعبين يتفقان في العادات والتقاليد نفسها حتى وإن تقاربا
مفهوم العادات والتقاليد
العادة في اللغة: هي كلُّ ما اعتيد حتى صار يُفْعَل من غير جهد [1]، وأمَّا التقاليد فهي: العادات المتوارثة التي يُقَلِّد فيها الخلفُ السلفَ [2]، وقريبٌ من هذه المعاني ودلالتها -أيضًا- كلمة "العُرْف"، وتعريفها في اللغة يكاد يتطابق مع ما سبق؛ فهو خلاف "النُّكْر" وما تعارف عليه الناس في عاداتهم ومعاملاتهم [3].
والعادات والتقاليد هي ما يفعله الناس بالتلقائيَّة والطبع؛ لأنَّه في أعينهم طبيعيٌّ ومنطقيٌّ ويُشير إلى دلالات بعينها خاصة بهم.
وكل الشعوب لها عادات وتقاليد، وتلك التقاليد ذات قدرٍ غير محدودٍ من الثراء والتنوُّع والاختلاف، والمثير للدهشة إنَّنا نجد تنوُّعًا واختلافًا كبيرًا بين البشر في العادات والتقاليد، ربَّما نجد صعوبةً بالغةً تصل إلى حدِّ الاستحالة إذا حاولنا البحث عن قبيلتين تتَّحدان تمامًا في العادات والتقاليد، إنَّ هذا عسير حتى على التصوُّر؛ لأنَّه حتى في المناطق المتجاورة جغرافيًّا، التي لها الاحتياجات الاقتصاديَّة نفسها، وتمتلك اللغة نفسها، وتعتنق الدين ذاته، نجد بينها -على الرغم من كلِّ هذا- قدرًا من الاختلاف في العادات والتقاليد؛ من حيث طرق الزواج والطلاق، والاحتفال بالمناسبات والأعياد، أو طقوس الموت والدفن..
والسؤال هنا: كيف تصنع الشعوب عاداتها وتقاليدها؟!
طرح المفكر المصري الدكتور ميلاد حنا هذا السؤال: ما الأسباب والعوامل التي تُشَكِّل المشاعر الإنسانيَّة الجماعيَّة؛ أي: المشاعر العامَّة المتكرِّرة في جماعةٍ أو أُمَّةٍ أو شعب؟ وهذا سؤال يُعطي مدخلًا آخر لرصد التشابهات بين الشعوب المختلفة.
يقول: قد يعود بعضها إلى عوامل جغرافيَّة بيئيَّة، فالطبيعة والمناخ يُؤثِّران في التركيبة النفسيَّة للجماعات الإنسانيَّة؛ حيث سكَّان الوديان والحضارات الزراعيَّة أميل إلى الهدوء النفسي، والتعاون بين الأهل والجيران والاطمئنان للآخر، بينما الصحراء وامتدادها اللانهائي يدفع لانطلاق الخيال، والخوف من الغريب القادم من بعيد؛ ولذا فلا بُدَّ أن يرفع الغريب يده واضحة بالسلام؛ حتى يطمئنَّ صاحب المكان إلى أنَّه ليس عدوًّا أو يحمل سلاحًا، ولأنَّ سكَّان الغابات معرَّضون لمخاطر الافتراس من الحيوانات والزواحف التي قد تنقضُّ عليهم في لحظةٍ غير متوقَّعة، ولأنَّ الرعد والأمطار ظواهر متكرِّرة تحدث دون انقطاع أو دون إنذار، فيترتَّبُ على ذلك حالةً دائمةً من الترقُّب وعدم الاستقرار؛ أي: القلق المستمر لأهل هذه المناطق؛ لذلك فالحياة رخيصة والموت موجودٌ عند أيِّ منعطفٍ وفي أيِّ لحظة، ولا يُفَرِّق بين كبير السنِّ أو يافعه، أمَّا سكَّان المناطق الثلجيَّة فإنَّهم يجتمعون في أماكن محصَّنة طلبًا للدفء، ولمقاومة الطبيعة القاسية لأشهرٍ طويلة؛ لذلك فالتماسك الأسري للعائلة الصغيرة والتعاون الأكيد فيما بينها هو الضمان لاستمرار الحياة [4].
إنَّ هذا يجعلنا نتوقَّع أنَّ سكَّان المناطق المتشابهة في البيئة والمناخ سيجدون بينهم فرصًا أكبر للتشابه في الطبائع والعادات والتقاليد وطرائق السلوك والتعامل؛ إنَّ هذا تشابهٌ وثيقٌ ومتين، ولكن قليلًا ما ينُظر إليه باعتباره مدخلًا من مداخل الاقتراب والالتقاء بين الشعوب المتباعدة الديار المتقاربة الأرض والرياح والأمطار.
وفي مقال (العادات والتقاليد .. نماذج للتعارف الإنساني) نضرب بعضًا من الأمثلة على هذا النوع من التشابه بين الشعوب المختلفة والمتباعدة في مجال العادات والتقاليد؛ وهي أمثلةٌ تُشير إلى المنهج فحسب؛ فهي لا تزال تنتظر العلماء المتخصِّصين والباحثين في هذا المجال ليعودوا عليها بالتصحيح والتفسير والتطوير والتوسيع.
المصدر:
كتاب «المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب»، للدكتور راغب السرجاني.
[1] المعجم الوسيط 2/635، وانظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة عود 3/315، الزبيدي: تاج العروس، باب الدال المهملة فصل العين 8/443.
[2] المعجم الوسيط 2/754.
[3] المعجم الوسيط 2/595، وانظر: الجوهري: الصحاح، باب الفاء فصل العين 4/1401، وابن منظور: لسان العرب، مادة عرف 9/236.
[5] ميلاد حنا: قبول الآخر، ص21، 22.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- اعرف نبيك .. 7 كتب لا غنى عنها في السيرة النبوية
- معنى كلمة لإيلاف قريش
- قصة ميلاد عيسى ابن مريم عليه السلام
- مسجد ومدرسة السلطان الأشرف برسباي في القاهرة
- موقف من حياة الحجاج بن يوسف الثقفي
التعليقات
إرسال تعليقك