ملخص المقال
الحكايات الشعبية الأندلسية دائمًا ما كانت ذات طابع خاص مميز، ومع تكرر بعض أفكارها في التراث المشرقي إنما كان لسماتها الخاصَّة أثر كبير على الأدب العالمي
في عالمنا الحاضر نجد أنَّ نقاد الأدب قد وضعوا شروطًا وضوابط لكتابة القصص سواء القصير أم الروائي الطويل قد يُفهم من خلالها ومن التعنت في تنفيذها، أنَّ هذا الفن هو حديث الإنشاء، ولا يمكن بحال مقارنته مع الأدب القصصي التراثي العربي سواء في المشرق أم الأندلس..
وهذا مغايرٌ تمامًا للحقيقة، بل فيه تعنُّت وجحود لفضل الأدب العربي وخاصَّة الأندلسي؛ فالمتتبع لهذا التراث القصصي شديد الثراء الفني، يجد أنَّ التراث الأندلسي مليءٌ بالكنوز الأدبيَّة الفنِّيَّة شديدة الرُّقي، ويتوفر فيها من القواعد المنصوص عليها حاليًّا ما يؤكِّد على أنَّها النموذج الأولي الرَّاسخ الذي بُني عليه التطور الحديث لفنِّ الرواية والقصة.. ومن أكبر الأمثلة على ذلك قصَّة "حي بن يقظان" وما مثَّلته من أثر وجداني وفلسفي وفكري كبير ظهر على كلِّ جوانب الحياة الأدبية والفنية في أوروبا، وكذلك قصص الفروسية التي يمتلئ بها الأدب الأندلسي، ومنها القصة الفارس "زياد بن عامر" والأميرة المحاربة "سعدة".
كتب هذه القصة مؤلِّفٌ أندلسيٌّ مجهول، ولكنَّنا نستطيع الجزم أنها كُتِبت بعد عصر المرابطين، وقد نشرها فرانثيسكو فرناندز جنثالث عام 1882، اعتمادًا على مخطوطها في مكتبة الإسكوريال، وعنوانها بالكامل: «كتاب فيه حديث زياد بن عامر الكناني، وما جرى عليه من العجايب والغرايب بقصر اللوالب وبحيرة العجب».
وهي قصة فروسيَّة تُضاهي قصص ألف ليلة وليلة، ويقول فيها منيندز بلايو: "إنَّ ميلاد زياد وتربيته، ورياضات الفروسيَّة التى يُمارسها في شبابه، وولعه بالأميرة المحاربة (سعدة) وفوزه بها بعد غلبه إيَّاها في معركة الميدان، ورحلاته وتجواله في شتَّى البقاع، ووصوله إلى رياض الأميرة التي تُسمَّى (قوس الحسن) وعجائب البحيرة المسحورة وقصر اللآلئ، وإنقاذه الأميرات الثلاث الأسيرات، ثم الرحلة المليئة بالمخاطرات التى تقوم بها الغزالة الجميلة، وفتحه مدينة المجوس عبَّاد النار، ثم اعتناقه الإسلام، وأعماله الأخرى الخياليَّة، وأخيرًا عقاب الله إيَّاه لإقدامه على الزواج بأكثر من أربع نساء مخالفًا بذلك الشريعة الإسلامية" [1].
كلُّ ذلك يكوِّن سلسلة من الحوادث بالغة الغرابة، التي يجد الإنسان في مطالعتها رياضة ممتعة، والتي تمتاز بمميِّزات كثيرة، أهمها أنَّ مداها محصور في حدود معقولة جدًّا، إذا ما قورنت بما نجده في قصص "عنتر" و"أماديس دي جاولا" من المبالغات المفرطة وانعدام الانسجام.
وهذه إحدى القصص التي تأثر بها الأدب الإسباني فيما بعد بل لها دور كبير في إثراء الفن السينمائي والتليفزيوني الإسباني خاصَّةً والأوروبي بشكلٍ عام؛ فلا يخفى تأثُّر أوروبا بالأدب الأندلسي سواء في القصص أم الشعر، وروايات الفروسية، والروايات الأسطورية والفلسفية، فتأثير الأدب الأندلسي العربي على هويَّة الغرب الثقافية يظهر جليًّا في دراسات الأدب المقارن التي تدرس مواطن التلاقي بين الآداب المختلفة ودرجة التأثر بها.
______________________________________________
[1] آنخل جنثالث: تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة: حسين مؤنس، نقلًا عن موقع: أندلسي.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- بالصور | أغرب 9 اكتشافات أثرية في تاريخ البشرية
- حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس .. مشهد من ماضٍ مجيد
- حقيقة عيسى العوام وأكذوبة فيلم صلاح الدين
- ألقاب أم المؤمنين عائشة
- قصة ساعة هارون الرشيد التي أثارت الجدل في مونديال قطر
التعليقات
إرسال تعليقك