ملخص المقال
إلى جوار قبر "هرتزل"مؤسس الصهيونية العنصرية المعاصرة، وبجانب رفاقه من حملة السلاح الذين أسسوا دولة الاحتلال بالدم والنار، رقد الرئيس الصهيوني السابق شيمون بيريز أعلى سفح جبل الكرمل.
عاش شيمون بيريز ما يكفى ليرى دولة قامت على حطام الأوطان ومآسي الملايين من القتلى والمهجرين، وبين حلم تأسيس الدولة وقيامها كانت مسيرة العسكري الذي بدأ حياته "غرابا للحرب" وأنهاها "حمامة للسلام" حتى في نظر بعض العرب ممن اغتصب أراضيهم!!.
ولد شمعون بيريسكى في الثاني من أغسطس عام 1923 ببولندا، لأب كان يعمل تاجرا للأخشاب ، بينما كانت أمه تدرّس الروسية، قبل أن يرحل إلى القدس عام 1933 بعمر الحادية عشر، خوفا من مصير مظلم على يد النازيين بزعامة هتلر، الذي اقتحم بولندا وأوقد أول محارق اليهود عام 1939، وطمعا في تكوين دولة الشتات اليهودي.
وبعد أن أنهى بيريز دراسته بالمدرسة الزراعية "بن شيمن" ببلدة اللد المحتلة عام 1940، تشرب بالفكر المتطرف لكبار قادة العصابات الصهيونية الذين أدمنوا امتصاص دماء الشعوب مثل ديفيد بن جوريون "أول رئيس لدولة الاحتلال"، وليفى أشكول "ثالث رؤساء دولة الاحتلال"، وصار يحلو له أن يطلق عليه ابن "بن جوريون" البكر.
أمضى بيريز شبابه الأول ضمن صفوف عصابات "الهجاناه"، وخطى خطواته الأولى نحو التطرف والعنصرية، وأهلته ميوله القتالية، وحماسته الصهيونية، وكراهية العرب لأن يكون مسئولا عن شراء العتاد والموارد البشرية عام 1947، دون أن يكمل الخامسة والعشرين من عمره.
وبحلول عام 1948 تحقق حلم "هرتزل" الذي وعد به اليهود قبل 50 عاما في المؤتمر الأول للصهيونية العالمية الذي عقد بمدينة بازل السويسرية، لم تكن رسالة بيريز مع الحرب والدماء قد انتهت بعد، بل كانت له اليد الطولي في تكوين "جيش الاحتلال"، وكانت لجهوده ـ أكبر الأثر للم الشتات بين أكبر عصابات الدولة الصهيونية "الهجاناه" و"الأرجون".
أسس شيمون بيريز تاريخه العسكري الدامي إبان خمسينيات القرن الماضي، حيث أسندت له مهمة جمع السلاح لدولة الاحتلال الوليدة، حيث أوفد عام 1949 إلى الولايات المتحدة رئيسا لبعثة وزارة الدفاع الصهيوينة، ونجح فى ترقى المناصب خلال فترة وجيزة، فلم يمر عام 1953 حتى أصبح المدير العام لوزارة الدفاع.
وبينما كانت قوى الاستعمار تزفر زفراتها الأخيرة لتوديع المنطقة، كانت دولة الاحتلال على أتم الاستعداد لتقوم بنفس الدور، ولتبقى حتى الآن دولة الاحتلال الوحيدة في العالم، غير أن الاستعمار أبى أن ينهى وجوده إلا بتسديد ضربة نافذة إلى قلب العروبة النابض، فكان العدوان الثلاثي على مصر عام، بعد 1956 بعد تأميم قناة السويس.
وبعد سقوط القدس فى أيديهم ، كانت سيناء هي الوجهة الأولى لدولة الدماء ، أرادوا أن يحتلوها ، كي يقروا أعين أسلافهم عن سنوات التيه التى قطعوها بعد أن عصوا نبي الله موسى، ومع بداية العدوان الثلاثي كان بيريز حاضرا، منسقا بين دول الاعتداء، بيد أن مقاومة الشعب المصري في بورسعيد أنسته وساوس الصهيونية، وعاد يجر ذيول هزيمته، بيد أن بيريز قد قنع بما أخذه من فرنسا، حيث نجح في الحصول على المقاتلة "ميراج 3"، وبناء المفاعل النووي الصهيوني (مفاعل ديمونة في صحراء النقب، لتصبح دولة احتلال أول قوة نووية بالمنطقة.
بمنتصف الستينيات توجه شيمون بيريز للعمل السياسي، فقد استقال من حزب "ماباي" عام 1965 ليؤسس حزب "رافى" مع أستاذه وملهمه بن جوريون، ثم عاد للعمل على توحيد الحزبين عام 1968 تحت اسم حزب "العمل"، وأصبح زعيما له عام 1977.
ومع ظهيرة يوم السادس من أكتوبر عام 1973، صدحت أصوات المصريين بالتكبيرات ورفرت رايات النصر على الضفة الشرقية لقناة السويس، إيذانا بسقوط أسطورة "الجيش الذى لا يقهر" الذين رددوها طيلة 6 سنوات بعد حرب 1973، لم يغفر الصهاينة لقادتهم ذكرى "يوم الغفران"، وهنا خلع بيريز ثوب السياسي، وارتدى الزى العسكري عائدا لجيش الاحتلال المنكسر، الذى بناه قبل 24 عاما، ولكن هذه المرة في منصب وزير الدفاع في الفترة من 1974 وحتى عام 1977.
أراد أن تكون له بصمة شديدة الخصوصية في هذا المنصب، الذى رآه تتويجا لتاريخة الطويل مع القتل والاغتصاب والتشريد، فأمر بإنشاء أول مستوطنة بالضفة الغربية، في نظر بيريز لم يكن ما اغتصبوه من أراضى كافيا ولائقا بالدولة الصهيونية، ليبدأ فصلا جديدا من معاناة الفلسطينين، وهى قضية "المستوطنات".
وفجأة ودون مقدمات، رأى المحارب الدامي الفرصة للمرور إلى "طريق السلام" مستغلا أن العالم عامة، والعرب بخاصة يتمتعون بذاكرة "الأسماك" التي سرعان ما تتجاوز الأحداث والمجازر، ليصنف نفسه واحدا من "حمائم السلام"، مستغلا معاهدة كامب ديفيد، الذي رآها فرصة لتحقيق سلام دائم مع العرب.
وبمغادرته وزارة الدفاع عاد مرة أخرى للحياة السياسية ليكون عضوا بارزا في عدة حكومات ائتلافية، فتولى حقائب الخارجية، الدفاع،المالية ،الإعلام،المواصلات، كما نجح في تولى منصب رئيس الوزراء بالتناوب مع إسحاق رابين، ثم نائبا لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية في الفترة ما بين 1986 و1988.
وبعد الهزائم المتلاحقة التي منى به حزبه وجد شيمون بيريز شبح لعبته القديمة المتجددة يتمثل أمامه، فأمسك بغصن الزيتون، الذي اغتصب أرضه منذ عقود، وذهب إلى المفاوضات في أوسلو مع الفلسطينيين وزيرا للخارجية، لينال جائزة "نوبل للسلام" اقتساما بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الصهيوني إسحق رابين، ويجلس بعدها شيمون بيريز على كرسي رئاسة الوزراء.
وبعد أن وقع شيمون بيريز معاهدة السلام مع الأردن عام 1994 ، انتزع قلادة نوبل من على صدره ، وألقى بغصن الزيتون أرضا، وتحرك لاجتثاث أشجار الأرز فى لبنان، فكان الهجوم على بيروت، الذي استعاد خلاله ماضيه الدموي مع عصابات "الهجاناة"، وقاد عملية "عناقيد الغضب" على جنوب اللبناني، وأمر بقصف مقرّ للأمم المتحدة في "قانا" حيث احتمى أكثر من 800 مدنيّ، أكثرهم من النساء والأطفال، لتودي المجزرة بحياة 106 لبنانيين، إلى جانب عشرات الجرحى، تنصل شيمون بيريز من المجزرة مدعيا أن جيشه لم يكن يعلم بوجود مدنيين وأطفال بمقر الأمم المتحدة، إلا أن تقارير المنظمة أفادت باستحالة "أن يكون القصف في قانا كان نتيجة خطأ تقني أو إجرائي فادح كما ادعى جيش الاحتلال".
أنزوى شيمون بيريز جانبا، فقد كان بحاجة إلى الراحة ليغسل يده من دماء الأطفال، تمهيدا لارتداء ثوب السلام من جديد، عاد هذه المرة بمركز "بيرير للسلام" الذي يسعى لنشر التعايش السلمي بين العرب واليهود ، قبل أن يتوج تاريخه السياسي بالجلوس على كرسي رئاسة دولة الاحتلال الصهيوني.
الأكثر قراءة اليوم الأسبوع الشهر
- قصة الكرماء الثلاثة .. أجود أهل زمانهم!
- اعرف نبيك .. 7 كتب لا غنى عنها في السيرة النبوية
- خريطة العالم الإسلامي وقت ظهور التتار
- الصحابي الذي نزلت فيه آية .. وصاحبهما في الدنيا معروفا
- هل تعرف ما هو قرن المنازل ؟
التعليقات
إرسال تعليقك